وهذه البحوث وإن تكررت ـ بحسب الظاهر ـ إلّا أن الإمعان أو التدقيق فيها يكشف عن أن كلّ بحث منها يتناول جانبا خاصّا من هذه القصّة ذات المحتوى العزيز ، ويعوّل على هدف معين! ...
مثلا .. حين نزلت الآيات ـ محل البحث ـ كان المسلمون قلّة ضعافا وكان أعداؤهم كثرة أولي قوّة وبأس شديد ، بحيث لا يمكن الموازنة بين الفرقتين ، فكان ينبغي أن يبيّن الله قصص الأمم السابقة المشابهة لحال هؤلاء ، ليعلم المسلمون أن هذه القوّة التي يمتلكها الأعداء وهذا الضعف الظاهري الذي يكتنف المسلمين لن يؤدي أيّ منهما بنفسه إلى اندحار المسلمين ، ولتزداد معنويات المسلمين وتثبّت استقامتهم ومقاومتهم ...
وممّا يلفت النظر تكرار عبارة : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) بعد تمام الحديث عن كل نبي ... وهو التعبير ذاته الوارد في بداية هذه السورة في شأن النّبي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم .. وهذا الاتساق في التعبير شاهد حيّ على أن ذكر هذه الجوانب من قصص الأنبياء إنّما هو للظروف المتشابهة التي اكتنفت المسلمين من حيث الحالة النفسية والاجتماعية كما كان عليها الأنبياء السابقون ...
فتقول الآيتان الأوليان من الآيات محل البحث (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ). ويتركون ظلمهم وفسادهم وعنادهم للحق.
وينبغي الالتفات إلى أنّ الصفة الوحيدة المذكورة عن قوم فرعون هنا هي الظلم ، ومن الواضح أن الظلم له معنى جامع واسع ومن مصاديقه الشرك كما تقول الآية (١٣) من سورة لقمان (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ...)
كما أنّ استعباد بني إسرائيل واستثمارهم وما قارنهما من زجر وتعذيب من المصاديق الأخرى أيضا ، ثمّ بعد هذا كله فإن قوم فرعون ظلموا أنفسهم بأعمالهم المخالفة ، وهكذا يمكن تلخيص أهداف دعوة الأنبياء جميعهم بمبارزة الظلم