ثمّ يضيف موسى قائلا : (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ)!
وهناك اختلاف بين كلمات المفسّرين في المراد من «الحكم» في هذه الآية ، أهو مقام النبوة ، أم مقام العلم ، أم سواهما؟! لكن مع ملاحظة ذيل الآية نفسها المذكور فيها مقام الرسالة بإزاء الحكم يتّضح أنّه غير الرسالة والنبوّة!
والشاهد الآخر على هذا الموضوع الآية (٧٩) من سورة آل عمران إذ قال : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ ...).
إن كلمة «الحكم» تعني في اللغة : المنع من أجل الإصلاح ، هذا هو الأصل في ما وضعت له ، ولذا سمّوا لجام الحيوان «حكمة» على وزن (صدقة) ثمّ أطلقت هذه الكلمة على ما يطابق الحكمة ، ومن هنا سمي العقل والعلم حكما أيضا لهذا التناسب ، وقد يقال : إنّه يستفاد من الآية (١٤) من سورة القصص أن موسى عليهالسلام كان قد بلغ مقام الحكم والعلم قبل هذه القضية إذ تقول : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً).
فنجيب على ذلك أن للعلم والحكمة مراحل مختلفة ، فكان موسى عليهالسلام قد بلغ مرحلة منهما من قبل ، وحين بلغ مقام النبوّة أدرك المرحلة الأكمل! ...
ثمّ يردّ موسى عليهالسلام على كلام فرعون الذي يمنّ به عليه في أنّه ربّاه وتعهده منذ طفولته وصباه ، معترضا عليه بلحن قاطع فيقول : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ).
صحيح أنّ يد الحوادث ساقتني ـ وأنا طفل رضيع ـ إلى قصرك ، لأتربّى في كنفك ، وكان في ذلك بيان لقدرة الله ، لكن ترى كيف جئت إليك؟ ولم لا تربيت في أحضان والديّ وفي بيتهما؟!
ألم يكن ذلك لأنّك عبّدت بني إسرائيل وصفّدت أيديهم بنير الأسر! حتى