يقول ابن عباس : كان الذين حول فرعون هناك خمسمائة نفر ، وهم يعدّون من خواص قومه. (١)
وكان الهدف من كلام فرعون أن لا يترك كلام موسى المنطقي يؤثر في القلوب المظلمة لأولئك الرهط ... فعدّه كلاما بلا محتوى وغير مفهوم.
إلّا أن موسى عليهالسلام عاد مرّة أخرى إلى كلامه المنطقي دون أي خوف ولا وهن ولا إيهام ، فواصل كلامه و (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ).
إن موسى عليهالسلام بدأ في المرحلة الأولى بـ «الآيات الآفاقية» ، وفي المرحلة الثّانية أشار إلى «الآيات الانفسية» ، وأشار إلى أسرار الخلق في وجود الناس أنفسهم وآثار ربوبية الله في أرواح البشر وأجسامهم ، ليفكر هؤلاء المغرورون على الأقلّ في أنفسهم ويحاولوا التعرّف عليها وبالتالي معرفة من خلقها.
إلّا أن فرعون تمادى في حماقته ، وتجاوز مرحلة الاستهزاء إلى اتهام موسى بالجنون ، فـ (قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ...)
وذلك ما اعتاده الجبابرة والمستكبرون على مدى التاريخ من نسبة الجنون إلى المصلحين الرّبانيين! ...
وممّا يستجلب النظر أن هذا الضالّ المغرور لم يكن مستعدّا حتى لأنّ يقول : «إنّ رسولنا الذي أرسل إلينا» ، بل قال : «إنّ رسولكم الذي أرسل إليكم» ، لأن التعبير برسولكم ـ أيضا ـ له طابع الاستهزاء المقترن بالنظرة الاستعلائية ... يعني : إنني أكبر من أن يدعوني رسول ... وكان الهدف من اتهامه موسى بالجنون هو إحباط وإفشال منطقه القويّ المتين لئلا يترك أثرا في أفكار الحاضرين.
إلّا أن هذه التهمة لم تؤثر في روح موسى عليهالسلام ومعنوياته العالية ، وواصل بيان آثار الله في عالم الإيجاد في الآفاق والأنفس ، مبينا خط التوحيد الأصيل فـ (قالَ
__________________
(١) راجع تفسير أبي الفتوح الرازي ذيل الآية محل البحث.