والثلاثون من سورة القصص ، فقد عبرت عنها بـ «جان» «ما تجنّه (١) الأرض وما يمشي عليها من الأفاعي الصغار بسرعة وقفز». أمّا الآية العشرون من سورة طه فقد عبّرت عنها بأنّها «حية» «المشتقّة من الحياة».
وهذا التفاوت أو الاختلاف في التعابير مثير للسؤال في بدو النظر ، إلّا أنّ الاختلاف أو التفاوت إنّما هو لبيان واحد من أمرين :
١ ـ لعله إشارة إلى حالات ذلك الثعبان المتباينة ، ففي البداية تبدلت العصا إلى جانّ أو حية صغيرة ، ثمّ بدأت تكبر حتى صارت ثعبانا مبينا! ...
٢ ـ أو أنّ هذه الألفاظ الثلاثة «الثعبان ، والجان ، والحية» كلّ منها يرمز إلى بعض الخصائص الموجودة في تلك العصا المتبدلة إلى حالة جديدة! فالثعبان إشارة إلى عظمتها ، والجان إشارة إلى سرعتها ، والحية إشارة إلى حياتها!
غير أن فرعون اضطرب لهذا المشهد المهول وغرق في وحشة عميقة ولكي يحافظ على قدرته الشيطانية التي أحدق بها الخطر بظهور موسى عليهالسلام ، وكذلك من أجل أن يرفع من معنويات أصحابه والملأ من حوله في توجيه معاجز موسى ولفت نظرهم عنها ، فقد (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).
ذلك الإنسان الذي كان يدعوه مجنونا إلى لحظات آنفة ، وإذا هو الآن يعبر عنه بالعليم ، وهكذا هي طريقة الجبابرة وأسلوبهم ، حيث تتبدل كلماتهم في مجلس واحد عدّة مرّات ، ويحاولون التشبث بأي شيء للوصول إلى هدفهم.
وكان فرعون يعتقد أن اتهام موسى بالسحر ألصق به وأكثر قبولا عند السامعين ، لأنّ ذلك العصر كان عصر السحر ، فإذا أظهر موسى عليهالسلام معاجزه فمن اليسير توجيهها بالسحر.
ومن أجل أن يعبّئ الملأ ويثير حفيظتهم ضد موسى عليهالسلام ، قال لهم : (يُرِيدُ أَنْ
__________________
(١) جن يجن «من الأضداد في اللغة» والضد في الألفاظ ما يحمل معنيين متضادين ، مثل الجون يطلق على الأسود والأبيض ، وجن بمعنى ستره وأظهره.