يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ؟).
والغريب في الأمر أن فرعون الذي قال هذا الكلام هو الذي كان يقول من قبل : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ)؟!
والآن حيث يرى عرشه متزعزعا ينسى مالكيته المطلقة لهذه الأرض ، ويعدّها ملك الناس ، فيقول لهم : أرضكم في خطر ، إن موسى يريد أن يخرجكم من أرضكم ، ففكروا في حيلة! ...
فرعون هذا لم يكن قبل ساعة مستعدا لأن يصغي لأحد ، كان الآمر بلا منازع ، أمّا الآن فهو في حرج شديد يقول لمن حوله : «ماذا تأمرون»؟! إنّها استشارة عاجزة ومن موقف الضعف فحسب! ...
ويستفاد من الآية (١١٠) من سورة الأعراف أنّ اتباع فرعون ومن حوله ائتمروا فيما بينهم وتشاوروا في الأمر ، وكانوا في حالة من الاضطراب النفسي بحيث كان كلّ منهم يسأل الآخر قائلا : وأنت ما تقول؟ وماذا تأمرون؟!
أجل هذه سنّة الجبابرة في كل عصر وزمان ... فحين يسيطرون على الأوضاع يزعمون أن كل شيء لهم ، ويعدون الجميع عبيدهم ، ولا يفهمون شيئا سوى منطق الاستبداد. إلّا أنّهم حين تهتزّ عروشهم الظالمة ويرون حكوماتهم في خطر ، ينزلون مؤقتا عن استبدادهم ويلجأون إلى الناس ويتحدثون باسم الناس ، فالأرض أرض الشعب ، والحكومة تمثل الشعب ويحترمون آراء الشعب ، ولكن حين يستقر الطوفان ويهدأ التيار ، فإذا هم أصحاب الأمس و «عادت حليمة إلى عادتها القديمة».
ورأينا في عصرنا بقايا السلاطين القدامى كيف يحسبون أن الدولة ملكهم المطلق حين تقبل الدنيا عليهم ، ويأمرون من يرفض إتباعهم بالخروج عن تلك البلاد قائلين له : اذهب في أرض الله العريضة الواسعة ، ففي هذا البلد لا بدّ من تنفيذ ما نقول لا غير. ورأينا هذه الحالة عند ما بدأت هبّت رياح الثورة الإسلامية كيف