مليون». (١)
تحركوا في جوف الليل ليدركوهم بسرعة ، فبلغوهم صباحا كما تقول الآية الأولى من الآيات محل البحث : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٢) (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ).
فأما منا بحر خضم متلاطم بالأمواج ، ومن ورائنا بحر من الجيوش المتعطشة للدماء بتجهيزاتها الكاملة ... هؤلاء الغاضبون علينا وهم الذين قتلوا أطفالنا الأبرياء سنين طوالا ... وفرعون نفسه رجل دموي جبار ... فعلى هذا سيحاصروننا بسرعة ، ويقتلوننا جميعا بحدّ السيوف ، أو سيأسروننا ويعذبوننا ، والقرائن جميعها تدل على ذلك.
وهنا مرّت لحظات عسيرة على بني إسرائيل ... لحظات مرّة لا يمكن وصف مرارتها ... ولعل جماعة منهم تزلزل إيمانهم وفقدوا معنوياتهم وروحياتهم.
إلّا أنّ موسى عليهالسلام كان مطمئنا هادئ البال ، وكان يعرف أن وعد الله في هلاك فرعون وقومه ونجاة بني إسرائيل لا يتخلف أبدا ولن يخلف الله وعده رسله! ...
لذلك التفت إلى بني إسرائيل الفزعين بكمال الاطمئنان والثقة و (قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ).
ولعلّ هذا التعبير يشير إلى وعد الله لموسى وأخيه هارون حين أمرهما بإنذار قومهما ، إذ قال لهما : إني معكما أسمع وأرى. (٣)
إذ كان موسى يعلم أن الله معه في كل مكان ، وخاصّة تعويله في كلامه على كلمة (ربّي) أي الله المالك والمربّي هذا يدل على أنّ موسى عليهالسلام كان يدري أنّه
__________________
(١) كلمة مليون وأخواتها (مليار ، بليون إلخ) من مصطلحات العصر وهي غير عربية ، وكان العرب يقولون ألف ألف.
(٢) قال بعض المفسّرين : المراد من «مشرقين» ، أن بني إسرائيل ساروا نحو الشرق ، واتّباع فرعون وقومه بالاتجاه نفسه ، لأنّ بيت المقدس يقع شرق مصر!
(٣) سورة طه ، الآية ٤٦.