لذلك تعقّب هذه الآيات على قصّة موسى وفرعون المليئة بالدروس لتبيّن قصة إبراهيم ومواجهاته المشركين ، وتبدأ هذه الآيات بمحاورة إبراهيم لعمه آزر (١) فتقول :
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ).
ومن بين جميع الأخبار المتعلقة بهذا النبيّ العظيم يركّز القرآن الكريم على هذا القسم : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ)؟
ومن المسلّم به أنّ إبراهيم كان يعلم أيّ شيء يعبدون ، لكن كان هدفه أن يستدرجهم ليعترفوا بما يعبدون ، والتعبير بـ «ما» مبيّن ضمنا نوعا من التحقير!
فأجابوه مباشرة (قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ)! وهذا التعبير يدلّ على أنّهم يحسّوا بالخجل من عملهم هذا ، بل يفتخرون به ، إذا كان كافيا أن يجيبوه : نعبد أصناما ، إلّا أنّهم أضافوا هذه العبارة : (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ)! التعبير بـ «نظلّ» يطلق عادة على الأعمال التي تؤدي خلال اليوم ، وذكره بصيغة الفعل المضارع إشارة إلى الاستمرار والدوام.
كلمة «عاكفين» مأخوذة من «العكوف» ، ومعناه التوجه نحو الشيء وملازمته باحترام ، وهي تأكيد لما سبق من التعبير.
«الأصنام» جمع الصنم ، وهو الهيكل أو التمثال المصنوع من الذهب أو الخشب أو ما شاكلهما للعبادة ، وكانوا يتصورون أنها مظهر للتقديس ...
وعلى كل حال ، فإنّ إبراهيم لما سمع كلامهم رشقهم بنبال الإشكال والاعتراض بشدّة ، وقمعهم بجملتين حاسمتين جعلهم في طريق مغلق ، فـ (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)؟!
إن أقلّ ما ينبغي توفره في المعبود هو أن يسمع نداء عابده ، وأن ينصره في
__________________
(١) بيّنا مرارا أنّ لفظ «الأب» يطلق في لغة العرب والقرآن على الوالد كما يطلق على العم ، وهنا استعمل هذا اللفظ بمعناه الثاني.