بالصالحين ...
و «الحكم» و «الحكمة» كلاهما من جذر واحد ... و «الحكمة» كما يقول عنها الراغب في مفرداته : هي الوصول إلى الحق عن طريق العلم ومعرفة الموجودات والأفعال الصالحة ، وبتعبير آخر : هي معرفة القيم والمعايير التي يستطيع الإنسان بها أن يعرف الحق حيثما كان ، ويميز الباطل في أي ثوب كان ، وهو ما يعبّر عنه عند الفلاسفة بـ «كمال القوّة النظرية».
وهي الحقيقة التي تلقّاها لقمان من ربّه (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ). (١) وعبّر عنها بالخير الكثير في الآية (٢٦٩) من سورة البقرة (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
ويبدو أنّ للحكم مفهوما أسمى من الحكمة ... أي إنّه العلم المقترن بالاستعداد للتنفيذ والعمل ، وبتعبير آخر : إن الحكم هو القدرة على القضاء الصحيح الخالي من الهوى والخطأ! أجل ، إنّ إبراهيم عليهالسلام يطلب من الله قبل كل شيء المعرفة العميقة الصحيحة المقرونة بالحاكميّة ، لأن أي منهج لا يتحقق دون هذا الأساس!
وبعد هذا الطلب يسأل من الله إلحاقه بالصالحين ، وهو إشارة إلى الجوانب العملية ، أو كما يصطلح عليها بـ «الحكمة العملية» في مقابل الطلب السابق وهو «الحكمة النظرية»! ...
ولا شك أن إبراهيم عليهالسلام كان يتمتع بمقام «الحكم» وكان في زمرة الصالحين أيضا ... فلم سأل الله ذلك؟!
الجواب على هذا السؤال هو أنّه ليس للحكمة حد معين ، ولا لصلاح الإنسان حدّ ، فهو يطلب ذلك ليبلغ المراتب العليا من العلم والعمل يوما بعد يوم ، حتى وهو
__________________
(١) سورة لقمان ، الآية ١٢.