ـ عامّة ـ وهو الرجم بالحجارة ، الذي يعد واحدا من أسوأ أنواع القتل. (١)
ولما رأى نوح أن دعوته المستمرة الطويلة بما فيها من منطق بيّن ... وبما يقترن بها من اصطبار ، لم تؤثر إلّا في جماعة قلة آمنوا به ... شكا إلى ربّه أخيرا ، وضمن بيان حاله ، سأل ربه أن ينجيّه من قبضة الظالمين ، وأن يبعده عنهم ... إذ (قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ).
وصحيح أن الله مطّلع على كل شيء ، إلّا أنه لبيان الشكوى وتمهيدا للسؤال التالي ، يذكر نوح مثل هذا الكلام.
وممّا يلفت النظر أنّ نوحا لم يشتك من المصائب التي أبتلي بها ، بل اشتكى من تكذيب قومه إيّاه فحسب ، إذ لم يصدقوه ولم يقبلوا رسالته الالهية لهدايتهم ...
ثمّ يلتفت إلى ربّه فيقول : والآن حيث لم يبق طريق لهداية هؤلاء القوم فاقض بيننا وافصل بيني وبينهم : (فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً).
«الفتح» معناه واضح ، وهو ما يقابل الغلق ويضاده ، وله استعمالان ... فتارة يستعمل في القضايا المادية كفتح الباب مثلا ، وتارة يستعمل في القضايا المعنوية كفتح الهمّ ورفع الغم ، وكفتح المستغلق من العلوم ، وفتح القضية ، اي بيان الحكم حسم النزاع!
ثمّ يضيف فيقول : (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).
وهنا يعبر القرآن عن إدراك رحمة الله نوحا ، وإهلاك المكذبين بعاقبة وخيمة مفجعة ، إذ يقول : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) اي المليء بالناس وانواع الحيوانات (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ ...)
«المشحون» مأخوذ من مادة (شحن) على وزن (صحن) ومعناه الملء ، وقد
__________________
(١) «الرجم» مأخوذ من (رجام) على وزن (كتاب) وهو جمع (رجمة) على وزن (لقمة) ومعناها القطعة من الحجر التي توضع على القبر ، أو ما يطوف حوله عبدة الأوثان ، كما يعني الرجم القذف بالحجارة حتى القتل ، كما يأتي أحيانا بمعنى القتل بأيّ شكل كان ، لأن القتل كان بالحجر سابقا.