التضاد والتزاحم ، مؤلف تأليفا خاصا يتلائم معه أجزاؤه بعضها مع بعض في النتائج والآثار ... فالكون يسير بالنظام الجاري فيه إلى غايات صالحة مقصودة ، وهو بما بين أجزائه من الارتباط التام يخط لكل من أجزائه سبيلا خاصّا يسير فيها بأعمال خاصّة ، من غير أن يميل عن حاق وسطها إلى يمين أو يسار أو ينحرف بإفراط أو تفريط ، فإنّ في الميل والانحراف إفسادا للنظام المرسوم ويتبعه إفساد غايته وغاية الكل ... ومن الضروري أن خروج بعض الأجزاء عن خطه المخطوط له ، وإفساد النظم المفروض له ولغيره ، يستعقب منازعة بقية الأجزاء له ، فإن استطاعت أن تقيمه وترده إلى وسط الاعتدال فهو وإلّا أفنته وعفت آثاره ، حفظا لصلاح الكون واستبقاء لقوامه والإنسان الذي هو أحد أجزاء الكون غير مستثنى من هذه الكلية ، فإن جرى على ما يهديه إليه الفطرة فاز بالسعادة المقدرة له ، وإن تعدّى حدود فطرته وأفسد في الأرض ، أخذه الله سبحانه بالسنين والمثلات وأنواع النكال والنقمة ، لعله يرجع إلى الصلاح والسداد ، قال الله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (١)
وإن أقاموا مع ذلك على الفساد ـ لرسوخه في نفوسهم ـ أخذهم الله بعذاب الاستئصال وطهّر الأرض من قذارة فسادهم قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).(٢) (٣).
ومن هنا يتّضح بجلاء ، لم ذكر الله سبحانه في الآيات المتقدمة الإسراف والفساد في الأرض وعدم الإصلاح ، في سياق واحد ومنسجم.
* * *
__________________
(١) الروم ، الآية ٤١.
(٢) الأعراف ، الآية ٩٦.
(٣) راجع تفسير الميزان ، الجزء ١٥ ، الصفحة ٣٣٣ ـ ٣٣٤.