حتى للإصغاء إلى كلامك ... وإذا واصلت هذا الأسلوب ولم تنته منه ، فإنّ أقل ما تجزى به هو الإبعاد والإخراج من هذه الأرض ...
ونقرأ في مكان آخر من القرآن أن قوم لوط سعوا لتنفيذ تهديدهم ، وأمروا بإخراج لوط وأهله ، فقالوا : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ).
إن فعل هؤلاء الضالّين ـ بلغ بهم أن يعدوا التقوى والتطهر بينهم أكبر عيب ، وأن يفخروا بالرجس وعدم الطهارة ، وهذه هي العاقبة المشؤومة للمجتمع المسرع نحو الفساد!
ويستفاد من عبارة (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) أنّ هذه الجماعة الفاسدة كانوا قد أخرجوا أناسا طاهرين من حيّهم فهدّدوا لوطا بهذا الأمر أيضا ، وهو أنه إذا لم تنته فستنال ما ناله سواك من الإبعاد والإخراج ...
وقد صرّح في بعض التفاسير أنّهم كانوا يخرجون المتطهرين من القرية بأسوأ الحال (١) ...
إلّا أنّ لوطا لم يكترث بتهديدهم ، وواصل نصحه لهم و (قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ).
إنّه يريد أن يقول : سأواصل انتقادي إيّاكم ... فافعلوا ما شئتم ... فأنا لا أترك مواجهة هذه الأعمال القبيحة بالاعتراض والنقد! ...
والتعبير بـ «من القالين» يدلّ أيضا على أن جماعة كانوا مثل النّبي لوط يرفضون هذه الأعمال ويعترضون عليها ... رغم أن المنحرفين أخرجوهم من قريتهم آخر الأمر.
كلمة «القالين» جمع «قال» من مادة (قلى) أو (قلي) «على وزني حلق وشرك» ومعناها العداوة الشديدة التي تترك أثرها في قلب الإنسان ، وهذا التعبير
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، والتّفسير الكبير للفخر الرازي ، ذيل الآيات محل البحث.