لي طاعة لله.
واعلموا أنّي أبتغي ثوابه ووجهه (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).
وهذه التعابير هي التعابير ذاتها التي دعا بها سائر الأنبياء أممهم ، فهي متحدة المآل ومدروسة ، إذ تدعو إلى التقوى ، وتؤكّد على سابقة أمانة النّبي بين قومه ، كما أنّها تؤكّد على أن الهدف من الدعوة إلى الله معنوي فحسب ، وليس ورائها هدف مادي ، ولا يطمع أيّ من الأنبياء بما في يد الآخرين ، ليكون مثارا للشكوك وذريعة للمتذرعين!
و «شعيب» كسائر الأنبياء الذين ورد جانب من تأريخ حياتهم في هذه السورة ، فهو يدعو قومه بعد الدعوة العامّة للتقوى وطاعة الله ، إلى إصلاح انحرافاتهم الأخلاقية والاجتماعية وينتقدهم على هذه الانحرافات ، وحيث أن أهم انحراف عند قومه كان الاضطراب الاقتصادي ، والاستثمار والظلم الفاحش في الأثمان والسلع ، والتطفيف في الكيل ، لذلك فقد اهتم بهذه المسائل أكثر من غيرها ، وقال لهم : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ (١) الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ).
وفي هذه الآيات الأخيرة الثلاث يأمر شعيب هؤلاء القوم الضالين بخمسة أوامر في عبارات موجزة ، ويتصور بعض المفسّرين أن هذه العبارات بعضها يؤكّد بعضا ، إلّا أن التدقيق فيها يدلّ على أن هذه الأوامر الخمسة في الواقع تشير إلى خمسة مطالب أساسية ومختلفة ، أو بتعبير آخر : هي أربعة أوامر ونتيجة كليّة! ...
ولكي يتّضح هذه الاختلاف أو التفاوت ، فإنه يلزم الالتفات إلى هذه
__________________
(١) «القسطاس» ، «على وزن نسناس» معناه «ميزان» ... قال بعضهم : أصل هذه الكلمة روميّة ، وقال بعضهم. بل هي عربية ، ويعتقد بعضهم أن القسطاس ميزان كبير ، أما الميزان نفسه المستعمل في لغة العرب فهو الصغير ، وقالوا : إن للقسطاس مؤشرا ولسانا فهو لذلك دقيق الوزن! ...