وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ونظرا لأن «أفضتم» مشتقة من الإفاضة ، بمعنى خروج الماء بكثرة ، واستعملت في حالات أخرى للتوغل في الماء ، نتج من هذه العبارة أنّ شائعة الاتهام توسعت بشكل شملت المؤمنين مضافا إلى مروجيها الأصليين (المنافقين).
وتبيّن الآية التالية ـ في الحقيقة ـ البحث السابق. وهو كيف ابتلي المؤمنين بهذا الذنب العظيم نتيجة تساهلهم؟ فتقول (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) أي تذكّروا كيف رحبتم بهذه التهمة الباطلة فتناقلتموها (وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ).
وتشير هذه الآية إلى ثلاثة أنواع من ذنوبهم العظيمة في هذا المجال :
الأوّل : تقبّل الشائعة : استقبالها وتناقلها.
الثّاني : نشر الشائعة دون أي تحقيق أو علم بصدقها.
الثّالث : استصغار الشائعة واعتبارها وسيلة للهو وقضاء الوقت ، في وقت تمس فيه كيان المجتمع الإسلامي وشرفه ، إضافة إلى مساسها بشرف بعض المسلمين.
وممّا يلفت النظر أنّ الآية استعملت تعبير «بألسنتكم» تارة أخرى تعبير «بأفواهكم» على الرغم من أنّ جميع الكلام يصدر عن طريق الفم واللسان ، إشارة إلى أنّكم لم تطلبوا الدليل على الكلام الذي تقبلتموه ، ولا تملكون دليلا يسوّغ لكم نشره ، والأمر الوحيد الذي كان بأيديكم هو لقلقة لسانكم وحركات أفواهكم.
ونظرا لهول هذه الحادثة التي استصغرها بعض المسلمين ، أكدتها الآية ثانية ، فأنّبتهم مرّة أخرى ولذعتهم بعباراتها إذ قالت (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ).