تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها). وبهذا الترتيب عند ما تعزمون على الدخول لا بدّ ، من إخبار أصحاب البيت بذلك ونيل موافقتهم.
والذي يلفت النظر في هذه الجملة استعمالها «تستأنسوا» ولم تستعمل «تستأذنوا» لأنّ الجملة الثّانية لبيان الاستئذان بالدخول فقط ، في الوقت الذي تكون الجملة الأولى مشتقّة من «أنس» أي الاستئذان المرافق للمحبّة واللطف والمعرفة والإخلاص ، وتبيّن كيف يجب أن يكون الاستئذان برفق وأدب وصداقة ، بعيدا عن أي حدّة وسوء خلق. ولو تبحرنا في هذه الجملة على هذا الأساس لوجدنا فيها الكثير من الأدب الذي يدور حول هذا الموضوع ، وهو يعني ألا تصرخوا وألّا تقرعوا الباب بقوة ، وألا تستأذنوا بعبارات حادّة ، وألا تدخلوا حتى يؤذن لكم ، فتسلّموا أوّلا سلاما يستبطن مشاعر السّلام والود ورسالة المحبة والصداقة.
وممّا يلفت النظر في هذا الحكم الذي يتصف بأبعاد إنسانية وعاطفية واضحة ، مرافقته لجملتين أولاها : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) وثانيها : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). وهذا بحدّ ذاته دليل على أن لهذه الأحكام جذورا في أعماق العواطف والعقول الإنسانية ، ولو دقق الإنسان النظر فيها لتذكر أن فيها الخير والصلاح.
وتمّ هذا الحكم بجملة أخرى في الآية التالية : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ).
قد يكون المراد من هذه العبارة أنّه ربّما كان في المنزل أحد ، ولكن من لديه حقّ إعطاء الإذن بالدخول غير موجود ، ففي هذه الحالة لا يحق للمرء الدخول إلى المنزل.
أو قد لا يوجد أحد في المنزل ، ولكن صاحب المنزل على مقربة من ذلك المكان ، أو في منزل الجيران بحيث لو طرق المرء الباب أو نادى صاحبه فقد يسمعه ، ثمّ يحضر ليسمح له بالدخول ، وعلى أي حال ، فالمسألة المطروحة أن