كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ ) ( الشورى ـ ٥٢ ) ومنه يعلم أنّ المحتمل أن يكون الروح المسؤول عنه في القرآن الكريم هو حقيقة الوحي حيث قال سبحانه : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( الإسراء ـ ٨٥ ).
٢. يوم التلاق : إنّما هو يوم لقاء الله ، يوم يلتقي فيه العبد والمعبود ، وأهل الأرض والسماء ، كما يوضحه ما بعد الآية : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَىٰ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( غافر ـ ١٦ ).
والمراد من قوله : ( لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) أي ليحكم في ذلك اليوم بين عباده فينتصف المظلوم من ظالمه ، ويجزي المحسن والمسيء ، أو لينذر عباده سبحانه عن عذاب ذلك اليوم.
إذا عرفت الأمرين ، فالجواب عن الاستدلال بها واضح جداً بعد ما عرفت عند البحث عن الشبهة الاُولى من أنّ الفعل في تلك المواضع مجرد عن الزمان ، والهدف إنّما هو بيان نسبة الفعل إلى الفاعل واتصافه بها ، بلا نظر إلى زمان النسبة ، سواء أكان الماضي ، أم الحال أم المستقبل ، كما في قوله :
من يفعل الحسنات لله يشكرها |
|
والشر بالشر عند الله سيان |
وعلى هذا ، فسيقت الآية لبيان كونه سبحانه مالكاً على الإطلاق ، لا ينازعه في ملكه ولا يناضله في مشيئته واختياره أحد ، والوحي أحد الأشياء التي أمرها بيده ، يختص به من يؤثره على عباده ويختاره منهم ، وليس لأحد أن يعترض عليه ويقول : ( لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) ( الفرقان ـ ٣٢ ). أو يطعن ويقول : ( لَوْلا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ( الزخرف ـ ٣١ ) فإذا كان هدف الآية بيان هذا الأمر ، وانّ الوحي بكمّه وكيفه ومن ينزل عليه موكول إليه سبحانه ، فلا يتفاوت في ابلاغ هذا الغرض ، التعبير بالماضي ، أو المضارع ، فسواء أقال : « القى الروح » أم قال : ( يُلْقِي الرُّوحَ ) فهما في افهام المقصود سواسية فلا يدلاّن على زمان الاتصاف ، والمقصد الأسنى ،