اتصافه سبحانه بالاختيار التام في انزال الوحي على أي فرد من عباده ، من دون دلالة على زمان الاتصاف.
ودونك مثالاً عرفياً يقرّب المقصود.
فلو نصب الملك المستبد ( والملوكية خاصتها الاستبداد ) أحد ولده ولياً للعهد وجلعه وارثاً للعرش والاكليل ، وشاغلاً لمنصة الملوكية بعده ، فإذا اعترض عليه أحد وزراءه بأنّ ولده الآخر كان أحق بهذا المنصب ، فيجيب الملك بقوله : إنّ الامر بيدنا ، نقدم من نشاء ، ونؤخر من نشاء ، نرفع من نشاء ونضع من نشاء ...
فليس لك عند ذلك أن تستظهر من عبارته ، وتتهمه بأنّه قد أخبر حتماً عن نصب فرد آخر في المستقبل ، متمسكاً بأنّه قال : « نقدم » بصيغة المضارع ولم يقل : « قدمت ».
لا ، ليس لك ولا لغيرك هذا ، لأنّ المفهوم في هذه المواضع إنّما هو بيان أصل الإتصاف ، أي إتصاف الفاعل ( الملك ) بالفعل ( تقديم من تعلّقت إرادته بتقديمه ) لا بيان زمان الإتصاف واستمراره في الجيل الآتي ، فلاحظ.
فلو تنازلنا عن كلّ ما قلناه حول هذه الآية وما قبلها وفرضنا أنّ ما نسجوه من الأوهام حقيقة راهنة فنقول : إنّ ما ذكروه كلّه لا يتجاوز حدّ الاشعار فهل يجوز في ميزان العقل والانصاف ترك ما سردناه من البراهين الدامغة والنصوص الناصعة والضرورة والبداهة بين المسلمين عامة ، الدالّة على كون النبي الأعظم خاتم الأنبياء ورسالته خاتمة الرسالات ، لأجل هذه الاُمور الواهية التي لا يستحق أن يطلق عليها اسم الدلالة.
قال الشيخ المفيد : إنّ العقل لم يمنع من بعثة نبي بعد نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونسخ شرعه كما نسخ ما قبله من شرائع الأنبياء وإنّما منع ذلك الاجماع ، والعلم بأنّه خلاف دين النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من جهة اليقين وما يقارب الاضطرار (١).
__________________
(١) أوائل المقالات ص ٣٩.