وفي آيات اُخرى في القرآن نجد كيف أنّ اليهود والنصارى حاولوا اضفاء طابع اليهودية والمسيحية على إبراهيم ، ليحصلوا بذلك على دعم جديد لمعتقداتهم ويضفوا الشرعية على مسلكهم ، غير أنّ القرآن مضى يفنّد ـ بكل قاطعية وعنف ـ هذه الاكذوبة بقوله :
( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ ) ( آل عمران ـ ٦٧ ).
نستخلص من كل هذه الآيات كيف أنّ اليهود والمسيحيين والقدامى منهم خاصة كانوا يحاولون ـ بهذه الأفكار الواهية ـ التفوّق على البشر ، والتمرّد على تعاليم الله ، والتخلص بصورة خاصة من الإنضواء تحت لواء الإسلام ، مرة بافتعال اكذوبة ( الشعب المختار ) الذي لا ينبغي أن يخضع لأي تكليف ، ومرة اُخرى بافتعال خرافة ( الأسماء والانتساب ) وادعاء النجاة بسبب ذلك والحصول على مغفرة الله وجنّته وثوابه. ومرة ثالثة بتخصيص ( الهداية ) وحصرها في الانتساب إلى إحدى الطائفتين بينما نجد أنّه كلّما مرّ القرآن على ذكر هذه المزاعم الخرافية أعلن بكل صراحة وتأكيد : أنّه لا فرق بين انسان وانسان إلاّ بتقوى الله فإنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ..
وأمّا النجاة والجنّة فمن نصيب من يؤمن بالله ، ويعمل بأوامره دونما نقصان لا غير ، وهو بهذا يقصد تفنيد مزاعم اليهود والنصارى الجوفاء.
بهذا البحث حول الآيات الثلاث ( المذكورة في مطلع البحث ) نكتشف بطلان الرأي القائل بأنّ الإسلام أقر ـ في هذه الآيات ـ مبدأ ( الوفاق الإسلامي المسيحي واليهودي ) تمهيداً لإنكار عالمية الرسالة الإسلامية ، بينما نجد أنّ غاية ما يتوخّاه القرآن ـ في هذه الآيات ـ إنّما هو فقط نسف وإبطال اليهود والنصارى وليعلن مكانه بأنّ النجاة إنّما هي بالإيمان الصادق والعمل الصالح.
فلا استعلاء ، ولا تفوّق لطائفة على غيرها من البشر مطلقاً ، كما أنّ هذا التشبّث الفارغ بالأسماء والدعاوي ليس إلاّ من نتائج العناد والاستكبار عن الحق.