والقسم الأوّل من الرسل ، قد أنحصر في خمسة ، ذكرت أسماؤهم في القرآن والنصوص المأثورة ، أمّا الأكثرية منهم ، فكانوا من القسم الثاني وقد بعثوا لترويج الدين النازل على أحد هؤلاء فكانت نبوّتهم تبليغية (١).
حينئذ فقد يسأل سائل ويقول : هب أنّ نبي الإسلام جاء بأكمل الشرائع وأتمها وأجمعها للصلاح وجاء بكل ما يحتاج إليه الإنسان ، في معاشه ومعاده ، إلى يوم القيامة ولم يبق لمصلح رأي ولمفكّر نظر ، في اُصول الإصلاح واُسسه ، لأنّ نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أتى بصحيح الرأي وأتقنه وأصلحه في كافة شؤون الحياة ومجالاتها ولأجل ذلك الإكتمال اُوصد باب النبوّة التشريعية.
ولكن لماذا اُوصد باب النبوّة التبليغية التي منحها الله للاُمم السالفة فإنّ الشريعة مهما بلغت من الكمال والتمام لا تستغني عمّن يقوم بنشرها وجلائها وتجديدها ، لكي لا تندرس ويتم إبلاغها من السلف إلى الخلف بأسلوب صحيح ، فلماذا أوصد الله هذا الباب بعد ما كان مفتوحاً في وجه الاُمم الماضية ، ولماذا منح الله سبحانه هذه النعمة على السالف من الاُمم وبعث فيهم أنبياء مبلغين ومنذرين وحرم الخلف الصالح من الاُمم منها ؟.
الجواب :
أنّ انفتاح باب النبوّة التبليغية في وجه الاُمم السالفة وإيصاده بعد نبي الإسلام ليس معناه أنّ الاُمم السالفة استحقت هذ النعمة المعنوية ، لفضيلة تفردت بها ، دون الخلف الصالح من الاُمم ، أو أنّ الاُمّة الإسلامية حرّمت لكونّها أقل شأناً وأهون مكانة من الاُمم الخالية ـ كلا ـ بل الوجه أنّ الاُمم السالفة كانت محتاجة إليها دون الاُمّة الإسلامية ، فهي في غنى عن أي نبي مبلغ يروج شريعة نبي الإسلام.
وذلك أنّ المجتمعات تتتفاوت إدراكاً ورشداً ، فربّ مجتمع يكون في تخلقه كالفرد
__________________
(١) الكلمة الدارجة لمعنى التبليغ في البيئات العربية هي كلمة « التبشير » ولكن كلمة « التبليغ » أولى وأليق بهذا المعنى ، فهي مقتبسة من القرآن ، ومدلولها اللغوي منطبق على المقصود كل الانطباق.