القاصر ، لا يقدر على أن يحتفظ بالتراث الذي وصل إليه ، بل يضيعه كالطفل الذي يمزق كتابه ودفتره غير شاعر بقيمته.
وربّ مجتمع بلغ من القيم الفكريّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة ، شأواً بعيداً يحتفظ معه بتراثه الديني الواصل إليه ، بل يستثمره استثماراً جيداً فهو عند ذاك غني عن كل مروج يروج دينه ، أو مبلغ يذكر منسيه أو مرب يرشده إلى القيم الأخلاقية ، أو معلم يعلمه معالم دينه ويوضح له ما أشكل من كتابه ، إلى غير ذلك من الشؤون ، فأفراد الاُمّة السالفة كانوا كالقصر ، غير بالغين في العقلية الاجتماعية فما كانوا يعرفون قيمة التراث المعنوي الذي وصل إليهم ، بل كانوا يلعبون به لعب الصبي بكتابه بتحريفهم له وتأويله بما يتوافق مع أهوائهم ومشاربهم ، ولذا كان يحل بالشريعة ، إندراس بعد مضي القرون والأجيال ويستولي عليها الصدأ بعد حقبة من الزمان.
لهذا ولذلك كان على المولى سبحانه أن يبعث فيهم نبياً ، جيلاً بعد جيل ، ليذكرهم بدينهم الذي إرتضاه الله لهم ، ويجدد شريعة من قبله ويروج قوله وفعله ويزيل ما علق بها من شوائب بسبب أهواء الناس وتحريفاتهم. وأمّا المجتمع البشري بعد بعثة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولحوقه بالرفيق الأعلى ، فقد بلغ من المعرفة والإدراك والتفتح العقلي والرشد الاجتماعي شأواً يتمكن معه من حفظ تراث نبيه وصيانة كتابه عن طوارق التحريف والضياع ، حتى بلغت عنايته بكتابه الديني إلى تصنيف أنواع التآليف في أحكامه وتفسيره وبلاغته ومفرداته وإعرابه وقرائته فإزدهرت تحت راية القرآن ضروب من العلوم والفنون.
فلأجل ذلك الرشد الفكري في المجتمع البشري ، جعلت وظيفة التبليغ والإنذار ، على كاهل نفس الاُمّة حتى تبوأت وظيفة الرسل من التربية والتبليغ ، واستغنت عن بعث نبي مجدد على طول الزمان يبلغ رسالة من قبله.
فإذا قدرت الاُمّة على حفظ ما ورثته عن نبيها ، ونشره بين الناس في الآفاق ، ومحو كل مطمع فيه وهدم كل خرافة تحدثها يد التحريف ، استغنت طبعاً عن قائم بهذا الأمر