الجواب :
ليس الإطلاع على ما احتجب عن عامة الناس من الحقائق ، من لوازم النبوّة ، حتى ينسد بابه بانسداد بابها ، ولا الخلف محروم من الفيض الذي كان مفتوحاً في وجه الاُمم السالفة ، فإنّ الولاية الالهية التي تلازم تلكم الفتوحات الباطنية ، ليست من خصائص النبوّة وتوابعها ، حتى تنقطع بانقطاعها ، بل هي كرامة إلهية يرزقها سبحانه ، المخلصين من عباده ، المتحلّين بفضائل الأخلاق المتطهرين عن درك الشرك ولوث المعاصي ، إلى غير ذلك من صفات كريمة.
والنبوّة باب خاص من الولاية تستتبع تحمل الوحي التشريعي أو التبليغي فيوصد بابه بإيصاد بابها ، وأمّا سائر الفتوحات الباطنية من المكاشفات والمشاهدات الروحية والايحاءات الملكوتية ، فلم يوصد بابها قط.
وللتوضيح نحن نتساءل : ماذا أراد السائل من إيصاد باب الاتصال ، بختم باب النبوّة ؟
فإن أراد الاتصال بالله ومعرفة أسمائه وصفاته والوقوف على ما هنالك من معارف عن طريق البرهنة والاستدلال والتدبر في آياته الآفاقية ، فهذا الطريق مفتوح إلى يوم القيامة في وجه من أراد الإطلاع على حقائق الكون ودقائقه ، وما وراء الحس من عوالم ودقائق.
وقد قال سبحانه : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ... ) ( فصلت ـ ٥٣ ) (١).
__________________
(١) نعم ربّما تفسر الآية بوجه آخر تسقط معه دلالتها على ما نرتئيه وهو أنّ المراد ما يسّر الله عزّ وجلّ لرسوله والمسلمين من بعده في آفاق الدنيا وارجاء العالم من الفتوح التي لم يتيسّر أمثالها لأحد من الجبابرة والأكاسرة ، وتغلب قليلهم على كثير من أعدائهم ، وتسليط ضعافهم على أقويائهم ، ونشر دعوة الإسلام في أقطار المعمورة وبسط دولته في أقاصيها. فهذه الاُمور الخارقة للعادة يقوى معها اليقين ويزداد بها الإيمان ، ويتبين أنّ دين الإسلام هو الدين الحق الذي لا يحيد عنه إلاّ مكابر ... راجع الكشاف ج ٣ ص ٧٥ وما حققناه حول الآية في الجزء الأوّل من هذه الموسوعة ص ١٧٣.