وقال سبحانه : ( وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ( الذاريات : ٢٠ ـ ٢١ ).
ولو أراد معرفة ربّه وأسمائه وصفاته ، وعظمته وكبريائه ، وما هناك من مقامات ودرجات ، بلا توسيط برهان ، أو تسبيب دليل ، بل مشاهدة بعين قلبه وبصر روحه ، وبعبارة أوجز : شهود الحقائق العلوية ، وانكشاف ما وراء الحس والطبيعة ، من العوالم الروحية ، والمشاعر الإلهية ، ومعرفة ما يجري عليه قلمه تعالى في قضائه وقدره والاتصال بجنوده وملائكته واستماع كلامهم ووحيهم وصوتهم إلى غير ذلك من الاُمور ، فهذا مقام خطير ، يحصل للعرفاء الشامخين المخلصين من عباده ، المطهرين من اللوث والدنس ، المتحررين عن قيود الطبيعة ، الحابسين أنفسهم في ذات الله ، الحاكمين بالكتاب ، العاملين بسننه وسنن نبيّه حسب اخلاصهم وعرفانهم ، حسب استعدادهم وقابليتهم ، حسب ما لهم من المقدرة والطاقة ، لتحمل عجائب الحقائق الغيبية ، ومشاهدة جلال الله وجماله وكبريائه وعظمته ، وما لأوليائه من مقامات ودرجات ، وما لأعدائه من نار ولهيب ودركات.
ثمّ إنّ لأهل السلوك والعرفان كلاماً في المقام ، لا يخلو عن فائدة ، وخلاصته :
أنّ اليقين الحقيقي النوراني المنزّه عن ظلمات الأوهام والشكوك ، لا يحصل من مجرد أعمال الفكر والاستدلال ، بل يتوقف حصوله على الرياضة والمجاهدة وصقل النفس وتصفيتها عن كدورات ذمائم الأخلاق ، وإزالة الصدأ عنها ، ليحصل لها التجرد التام ، والسر أنّ النفس بمنزلة المرآة تنعكس على صفحتها الصور المتعلّقة بالموجودات الخارجية ، ولا ريب في أنّ انعكاس الصور من ذواتها على المرآة ، يتوقف على تمامية شكلها وصفاء جوهرها ، وحصول ما يتمكن انعكاسه عليها وإرتفاع الحائل بينهما ، والظفر بالجهة التي فيها الصور المطلوبة ، كذلك يجب في انعكاس حقائق الأشياء من العقل على النفس ، تحقق اُمور :
١. عدم نقصان جوهرها ، بأن لا تكون كنفس الصبي التي لا تتجلىّ لها