والاجتهاد كما عرّفناك هو بذل الجهد في استنباط الأحكام عن أدلّتها الشرعية فلا يحتج به إلاّ إذا بنيت أحكامه على أساس الكتاب والسنّة ، وما يرجع إليها فهو مقيد من هذه الجهة وإن كان متحرراً من سوى ذلك ، فلا يتقيد بمذهب ولا برأي ، بل هو فوق المذاهب.
غير أنّ أئمّة أهل السنّة ، قد أقفلوا باب الاجتهاد ، إلاّ الاجتهاد في مذهب خاص ، كمذهب أبي حنيفة والشافعي ، وبما أنّ الفتاوى المنقولة عنهم ، مختلفة أخذ علماء كل مذهب يبذلون جهدهم لتشخيص ما هو رأي كل إمام في هذا الباب.
ولا أدري لماذا اقفل هذا الباب المفتوح من زمن الرسول ، وإن تفلسف في بيان وجهه ، بعض الكتّاب من متأخّريهم ، وقال : ولم يكن مجرد اغلاق باب الاجتهاد باجتماع بعض العلماء واصدار قرار منهم ، وإنّما كان حالة نفسية واجتماعية ذلك أنّهم رأوا غزو التتار لبغداد وعسفهم بالمسلمين ، فخافوا على الإسلام ورأوا أنّ أقصى ما يصبون إليه ، هو أن يصلوا إلى الاحتفاظ بتراث الأئمّة مما وضعوه واستنبطوه (١).
ولا يكاد يخفى على القارئ الكريم ما في اعتذاره من الاشكال.
ولقد صدع بالحق الدكتور « حامد حفني داود » اُستاذ الأدب العربي بكلية الألسن في القاهرة في ما قدمه على كتاب عقائد الإمامية (٢) وقال :
إنّ الصورة المتوارثة عن جهابذة أهل السنّة أنّ الأجتهاد اُقفل بابه بأئمّة الفقه الأربعة : أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وابن حنبل.
هذا إذا عنينا الاجتهاد المطلق أمّا ما حاوله الفقهاء بعد هؤلاء من اجتهاد لا يعدو أن يكون اجتهاداً في المذهب أو اجتهاداً جزئياً في الفروع ، وأنّ هذا ونحوه لا يكاد يتجاوز عند أهل السنّة القرن الرابع بحال من الأحوال ، أمّا ما جاء عن الغزالي في القرن الخامس ، وأبي طاهر السلفي في القرن السادس ، وعز الدين بن عبد الله السلام وابن
__________________
(١) رسالة الإسلام : العدد الثالث ، من السنة الثالثة عن مقال لأحمد أمين المصري.
(٢) للعلاّمة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر راجع ص ١٧ ـ ١٨ من المقدمة.