دقيق العيد في القرن السابع ، وتقي الدين السبكي ، وابن تيمية في القرن الثامن والعلاّمة جلال الدين عبد الرحمان بن أبي بكر السيوطي في القرن التاسع ... فإنّ هذا ونحوه لا يتجاوز ـ في نظر المنهج العلمي الحديث ـ باب الفتوى ولا يدخل في شيء من الاجتهاد ، وهو القدر الذي أوضحناه في كتابنا « تاريخ التشريع الإسلامي في مصر ».
أمّا علماء الشيعة الإمامية فإنّهم يبيحون لأنفسهم الاجتهاد في جميع صوره التي حدّثناك عنها ، ويصرّون عليه كل الاصرار ولا يقفلون بابه دون علمائهم في أي قرن من القرون حتى يومنا هذا.
وأكثر من ذلك تراهم يفترضون بل يشترطون وجود « المجتهد المعاصر » بين ظهرانيهم ، ويوجبون على الشيعة اتباعه رأساً دون من مات من المجتهدين مادام هذا المجتهد المعاصر استمد مقوّمات اجتهاده ـ اُصولها وفروعها ـ من المجتهدين ، وورثها عن الأئمّة كابراً عن كابر.
وليس هذا غاية ما يلفت نظري أو يستهوي فؤادي في قولهم بالاجتهاد.
وإنّما الجميل والجديد في هذه المسألة أنّ الاجتهاد على هذا النحو الذي تقرأه عنهم يساير سنن الحياة وتطوّرها ، ويجعل النصوص الشرعية حية متحركة نامية متطورة ، تتمشى مع نواميس الزمان والمكان ، فلا تجمد ذلك الجمود الذي يباعد بين الدين والدنيا ، أو بين العقيدة والحياة الذي نشاهده في أكثر المذاهب التي تخالفهم. ولعل ما نلاحظه من كثرة عارمة في مؤلفات الإمامية وتضخّم مطّرد في مكتبة التشيّع راجع ـ في نظرنا ـ إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه ».
هذا هو الاجتهاد ، وهذا دوره في خلود الدين وصلوحه للظروف والبيئات ولم يكن اغلاقه إلاّ جهلاً بأهميته أو ابتغاء للفتنة ، أو تزلفاً إلى أبناء الدنيا ، أو جبناً عن النطق بالصواب ، وعلى أي تقدير فقد تنبّه بعض الجدد (١) من أهل النظر بلزوم فتحه وإنمائه ، وأنّ الاجتهاد أحد مصادر الشريعة التي تسع كل تطور تشريعي ، قال في مقال
__________________
(١) الاُستاذ علي علي منصور المصري مستشار مجلس الدولة لمحكمة القضاء الاداري.