مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسألاه أن يعلّمهما الخط فعلّمهما الهجاء ، ثمّ أراهما الخط فكتبا ، ثمّ إنّ بشراً وسفيان وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلّم الخط منهم وفارقهم بشر ، ومضى إلى ديار مضر ، فتعلّم الخط منه عمرو بن زرارة بن أعدس فسمّي عمرو الكاتب ، ثمّ أتى بشر الشام فتعلّم الخط منه ناس هناك وتعلّم الخط من الثلاثة الطائيين أيضاً رجل من طابخة كلب ، فعلّمه رجل من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردد فأقام بها وعلّم الخط قوماً من أهلها ـ إلى أن قال : ـ فدخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلّهم يكتب ، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالبو ... (١).
وهذا ابن خلدون يحكي في مقدمته ، أنّ عهد قريش بالكتابة والخط العربي لم يكن بعيداً بل كان حديثاً وقريباً بعهد الرسول فقد تعرفوا عليها قبيل ظهور الإسلام حيث قال في الفصل الذي عقده لبيان أنّ الخط والكتابة من عداد الصنايع الانساية :
كان الخط العربي بالغاً مبالغه من الأحكام والاتقان والجودة في دولة التبابعة ، لما بلغت من الحضارة والترف وهو المسمّى بالخط الحميري وانتقل منها إلى الحيرة لما كان فيها دولة آل المنذر بسبأ التبابعة إلى أن قال : ومن الحيرة لقّنه أهل الطائف وقريش فيما ذكر ، يقال إنّ الذي تعلّم الكتابة من الحيرة هو سفيان بن اُمية ويقال حرب بن اُمية وأخذها من أسلم بن سدرة وهو قول ممكن وأقرب ممن ذهب إلى أنّهم تعلّموها من أياد أهل العراق وهو بعيد ، لأنّ اياداً وإن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنهم من البداوة ، والخط من الصنايع الحضرية فالقول بأن أهل الحجاز إنّما لقنوها من الحيرة ولقنها أهل الحيرة من التبابعة وحمير ، هو الأليق من الأقوال (٢).
فإذا كان هذا مبدأ تعرفهم بالكتابة والقراءة وكان هذا مقياس ثقافتهم وتعرفهم عليها في المنطقتين ( مكة والمدينة ) فما ظنك بهم في المناطق الاُخرى ، نعم كانت الربوع
__________________
(١) فتوح البلدان ص ٤٥٧.
(٢) مقدمة ابن خلدون ص ٤١٨ ، طبع بيروت ، الطبعة الرابعة.