تحدث هو عن هذا في بعض الآيات (١).
وإنّما الذي يهمّنا الحديث عنه هنا هو : أنّ القرآن لم يكن كتاباً من صنع البشر يتكوّن من أبواب وفصول ويبحث في كل موضوع عن نقطة خاصة ، وإنّما هو كتاب سماوي أنزله الله تعالى لإرشاد البشر إلى المبدأ والمعاد والتكامل الروحي والجسمي ، ولا يحتاج مثل هذا الكتاب إلى التنظيم والالتزامات المتبعة في المؤلّفات الاُخرى ولأجل ذلك فله خصائص لا توجد في غيره ونشير إلى بعضها فيما يلي :
١. تنتقل الآيات من موضوع إلى موضوع آخر لمناسبات تستدعي الانتقال إذ ربّما تذكر عدة مواضيع في سورة واحدة ، هدفها الوعظ ، والإرشاد ، وإيقاظ الضمير ، والعطف نحو العقل والحكمة ، فجاءت تلكم المواضيع واحدة بعد اُخرى ، يجمعها ذلك الهدف الخاص ، ولكن يسبق إلى أذهان بعض أنّه لا ربط وثيق بينها ، إلاّ أنّه يجد عند الدقة والتدبّر ، نوعاً خاصاً من الارتباط الذي يسلك عقودها في سلك واحد ووجود هذا القسم من الآيات الكثيرة ، من الوفرة بحيث يغنينا عن التمثيل لها هنا.
٢. أهمية توجيه الفكر الإنساني ، وفطرته نحو الهدى والحق من جانب وإيقاظ الضمائر الميتة الكامنة في نفوس مريضة من جانب آخر ، تستدعي تكرار بعض الموضوعات في مناسبات شتى ، والعود إليها بمختلف الأساليب البيانية ، وهذا في تكرار الخطابات من الأهمية بمكان وهو من المحسنات التي لابد منها في الكلام الموجه إلى الناس بشكل عام.
مثلاً أنّنا نرى القرآن الكريم يكرّر في مناسبات شتى موضوع الاعتبار من حياة الاُمم السالفة والملوك والجبابرة والطغاة الماضين كما أنّه يذكر موضوع : ( سِيرُوا فِي الأَرْضِ ) في أكثر من مناسبة واحدة ، وفلسفة هذا التكرار والعود إلى الموضوع مرّة بعد اُخرى هي ما ذكرناه.
__________________
(١) ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) ( الفرقان ـ ٣٢ ).