٣. ربّما يتحدث القرآن الكريم في سورة عن جانب خاص من جوانب قصة أو موضوع متعدد الجوانب ، واسع الأطراف لتعلّق ذاك الجانب الخاص فقط بما يقصده من الكلام دون سائر جزئياتها وتفاصيلها ، ثم يعود في سورة اُخرى إلى تلك القصة أو ذلك الموضوع ليذكرها بتفاصيلها وجزئياتها. وأكثر ما نشاهد هذا في قصص الاُمم الماضية للاعتبار بها ، وهذه طريقة ضرورية لكتاب اُنزل لهداية الناس وانتشالهم من الضلال.
٤. يتبع القرآن طريقة التدرّج ، في بيان مفاهيمه العقلية ومعارفه التربوية فيستدل مثلاً على مفهوم من مفاهيمه في بعض السور باستدلال ، ثم يعود إلى استدلال آخر لنفس المفهوم في سورة اُخرى. وبهذا توزع الأدلّة في عدة أمكنة وتذكر حسب المناسبات التي تقتضي ذلك.
مثلاً أنّ موضوع المعاد والرجوع إلى حياة جديدة من المسائل الإسلامية والقرآنية المهمة التي ركّز على إثباتها القرآن ، فاستدل له بأدلّة ستة (١) ولكنّها موزّعة ، لكل واحدة
__________________
(١) انّ الفكرة تتضح أبعادها ، وتنكشف جوانبها ، إذا تعددت الاستدلالات عليها من طرق شتى ، والمثال على ذلك حديث البعث والمعاد في القرآن الكريم ، فقد استدل القرآن على إمكان وقوعه بطرق ستة ، ونحن نذكرها في المقام على وجه الاجمال ونكتفي في بيان كل طريق ، بآية واحدة ، مع كثرتها في كل باب :
١. الاستدلال بعموم قدرته على كل شيء كما في قوله سبحانه : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ المَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الأحقاف ـ ٣٣ ).
٢. قياس الاعادة على الابتداء كما في قوله سبحانه : ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) ( الانبياء ـ ١٠٤ ).
٣. الاستدلال على امكان احياء الموتى ، باحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات كما في قوله سبحانه : ( وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) ( الروم ـ ١٩ ).
٤. قياس قدرة الاعادة على قدرة اخراج النار من الشجر الأخضر كما في قوله سبحانه : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ) ( يس : ٧٩ ـ ٨٠ ).