وتطرّق إليها التحريف بيد اُناس لا خلاق لهم من الدين ولا الشرف الانساني.
بقي من أقسام الغيب الوارد في الكتاب العزيز أمران :
١. ما يرجع إلى الإخبار عن الله سبحانه وأسمائه وصفاته والعوالم الروحية وغيرها التي يموج بها القرآن ، فقد خصصنا لبيان هذه المعارف القسم الأوّل من كتابنا هذا فشرحنا لك هذه المعارف وما فيها من سمو ورصانة واحداً بعد واحد حسب الترتيب الذي وقفت عليه في مقدمة الكتاب.
٢. ما يرجع إلى الخبر عن شؤون البشر في مستقبل أدواره وأطواره وما يلم به من ملاحم وفتن ، فهذا هو الذي نبحث عنه في المقام على وجه الاختصار فنقول :
إنّ القرآن قد أخبر عن الحوادث التي كان التكهّن والفراسة يقتضيان خلافه من حيث النظر إلى الحال الحاضر وطغيان الشرك وضعف الدعوة الإسلامية ، وما يجري من النكال والتشريد ، والجفاء على ملبيها ، مع أنّه صار صادقاً في جميع ما اخبر به ولم يخالف الواقع في شيء منها ، ولا شك أنّه لم يكن له طريق في الإخبار بهذه المغيبات إلاّ الوحي ، هب أنّه تكهّن أو تفرّس في بعض إخباراته ـ وأجل نبي العظمة عن هذه الفرية الشائنة ، فهل يمكن القول بأنّه تفرس في جميع ما اخبر به ، وأنّه تنبأ معتمداً على علائم وإمارات كانت ترشده إليها ، مع أنّ المفروض أنّ الأحوال الحاضرة في بعض إخباراته كانت تقتضي خلاف ما اخبر به كما سيوافيك بيانه ، ونحن نأتي في المقام بكثير من الآيات التي تتضمن الإخبار عن الحوادث المستقبلية التي تحققت بعد إخبارها في زمن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بعد لحوقه بالرفيق الأعلى بيسير ، وأمّا الاستقصاء في ذلك فلنتركه إلى من أراد الغور أكثر من ذلك.
نقول : هناك مغيبات عن ملاحم أحداث وفتن اخبر بها القرآن وظهر صدقها في عصر الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بعده بقليل ، فهذه الأخبار تدل قبل كل شيء على صحة نبوّته وأنّ القرآن منزّل من عنده سبحانه ، ولا يمكن حملها على ما يحدث بالمصادفة أو القرائن أحياناً من أقوال الكهنة أو العرّافين والمنجمين فإنّ كذب هؤلاء أكثر من صدقهم