إلاّ أنّ كثيراً منهم لا يمتون إلى الدين بشيء ، ولا صلة بينهم وبين دين اليهود ، فحكومتهم حكومة ذات نزعة عنصرية طائفية ، مدفوعة بكونهم من أولاد إسرائيل واخلافهم سواء أكانوا مؤمنين بدينه أم كافرين به ، ملتزمين بأحكام التوراة أم لا ، وما تنبّأ به القرآن إنّما هو راجع إلى اليهود الذين آمنوا بشريعة اسرائيل وما بعده إلى موسى والتزموا باُصول دينهم وفروعه ، ووقفوا في وجه سائر الشرائع ، متنسّكين بشريعة ، وليست اسرائيل ومن يعيش في أرضها ، يمثلون هؤلاء ، فهي دولة مادية صبغة باسم الدين وطابعه كما هو واضح لمن لاحظ كتبهم وجرائدهم ومجلاّتهم ، وعلى كل حال فخذلان بني اسرائيل التي يحتّمها القرآن إنّما تكون حتمية فيما لو وقفوا تجاه المسلمين بما هم يدينون بدين اليهود ، لا بما أنّهم يتعصّبون إلى يهوديتهم تعصّباً عنصرياً أعمى من غير تدين.
الجواب الثاني :
ربّما يجاب عن الإشكال بوجه آخر وهو أنّ المراد من ضرب الذلة عليهم القضاء التشريعي بذلتهم ، والدليل على ذلك قوله : ( أَيْنَ مَا ثُقِفُوا ) فإنّ ظاهر معناه أينما وجدهم المؤمنون أي تسلطوا عليهم ، وهو يناسب الذلة التشريعية التي من آثارها الجزية فيؤول معنى الآية إلى أنّهم أذلاّء ، بحسب حكم الشرع الإسلامي إلاّ أن يدخلوا تحت الذمّة أو أمان من الناس بنحو من الأنحاء (١).
غير أنّ هذا الجواب لا يلائم ظهور الآية فإنّ القضاء التشريعي بذلتهم لا يختص بتلكم الطائفة بل يعم أهل الكتاب جميعاً ، وقد أوضحنا أنّ الآية مختصة باليهود.
الجواب الثالث :
إنّ القرآن وإن تنبّأ بضرب الذلّة والمسكنة على اليهود ، غير أنّه تنبّأ أيضاً بعود القدرة والمنعة إليهم في فترة من الزمن ، مرتين فيفسدون في الأرض ، إلى أن يقيّض الله
__________________
(١) الميزان ج ٣ ص ٣٨٤.