مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( الجاثية : ١٦ ـ ١٧ ).
والفرق بين العداوة والبغضاء أنّ الاُولى عبارة عن البغض الذي يظهر أثره في الخارج ، وأمّا البغضاء فهو مطلق المنافرة وإن لم يستعقب شيئاً من العمل.
هذا إذا قلنا برجوع الضمير إلى اليهود فقط ، وأمّا إذا قلنا بمقالة المنار من رجوعه إلى اليهود والنصارى فالعداوة بينهم غير منقطعة ، وأوضحه صاحب المنار بقوله : « العدواة على أشدها في بلاد روسيا على أقلها في انكلترا وفرنسا والمانيا واليهود أغنى أهلها والمديرون لأرحية أعظم الأعمال المالية فيها ، وهم على مكانتهم هذه مبغوضون في جماهير النصارى ، فكم اُلّفت كتب في فرنسا وغيرها في التحريض عليهم ، قال : « قد أخبرني ألماني من المستشرقين أنّهم لا يعدون اليهودي من بلاده منهم بل يقولون هذه يهودي وهذا ألماني » (١).
نعم تنبّأ القرآن في آية اُخرى باغراء الله سبحانه العداوة والبغضاء بين النصارى إلى يوم القيامة قال سبحانه : ( وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) ( المائدة ـ ١٤ ) والعداوة بين فرق النصارى أشد وأوضح لمن زاولهم وطالع كتبهم.
وفي الوقت نفسه فإنّ الآيتان تنبئان عن بقاء دينهم إلى يوم القيامة وهو تنبّؤ آخر تضمّنته الآيتان ، فلاحظ.
٢. قوله سبحانه : ( كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ ... ) فالحرب ضد السلم وهو أعم من القتال والقتال يصدق بالاخلال بالأمن والنهب والسلب وتهييج الفتن والاغراء بالقتال ، وقد أغرى اليهود المشركين بالنبي والمؤمنين وهم الذين حزّبوا الأحزاب على
__________________
(١) المنار ج ٦ ص ٤٥٧.