النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ، وإنّما الخلاف في تعرّفهم على الغيب ، من غير هذا الطريق ، وممّا يدل على ما استظهر ، قوله سبحانه في عدة مواضع من القرآن : ( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) فلاحظ ( آل عمران ـ ٤٤ ، ويوسف ـ ١٠٢ ، وهود ـ ٤٩ ).
والاجابة عنه سهلة بعد الوقوف على معنى الغيب في اللغة والعرف ومصطلح القرآن في غير هذه المواضع ويتضح الجواب بملاحظة اُمور :
١. أنّ الغيب يطلق في اللغة على الأمر الغائب عن الحس في مقابل الشهود الذي يطلق على المعنى المحسوس بأحد الحواس ، وإذا اُطلق على الوحي كلمة الغيب فإنّما هو بسبب خفاءه عن حواسنا كالحوادث الغائبة عن حواسنا الواقعة في هذا الكون وعندئذ فما هو المبرر لتخصيص كلمة الغيب بالوحي فقط.
إنّ القرآن الكريم يجعل أحد علائم المتقين في كتابه هو ( الإيمان بالغيب ) حيث يقول : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) فهل يسوغ المعترض لنفسه تفسير الغيب في الآية بالوحي فحسب ؟ في حين أنّ الغيب هنا يحمل معنى واسعاً يكون الإيمان بالقيامة والوعد والوعيد أحد مصاديقه أيضاً ، التي يؤمن بها المتقون رغم عدم إدراكهم لها بالحواس ، أضف إلى ذلك أنّ الغيب في اللغة بمعنى الأمر الغائب عن الحس مقابل ( الشهادة ) ، ومن هنا يقول القرآن في وصفه سبحانه : ( عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ) وليس المراد منه خصوص الوحي قطعاً ، واطلاق الغيب على الوحي ، ليس لأنّ الوحي هو معناه ، بل لأنّ الوحي هو من بعض مصاديقه باعتبار عدم ادراكنا له بالحس أيضاً ، فهذا الاشتباه من قبيل اشتباه المصداق بالمفهوم في مصطلح العلماء ، وقد تصور المعترض أنّ الغيب بمعنى الوحي فقط بينما ليس الوحي إلاّ أحد مصاديق الغيب حسبما عرفنا الآن ، وقد ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم أربعاً وخمسين مرّة ولم يقصد فيه إلاّ الاُمور الغائبة عن الحس أيضاً حتى الآيات التي استدل بها المعترض على ما يقوله من تفسير الغيب بالوحي فقط.
إنّ هذه الآيات تشير إلى قصص مريم ويوسف ونوح التي لم تكن معروفة عند