المقصود من ( الخَبِيثَ ) هم المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، كما أنّ المقصود من ( الطَّيِّبِ ) هم المؤمنون الحقيقيون.
إنّ الله تعالى يلفت أنظار الاُمّة في مطلع هذه الآية بأنّه تعالى سوف لا يدع الاُمّة بهذا الشكل المختلط من المؤمنين والمنافقين بل أنّه تعالى سيميز بين الفريقين بأحد الطريقين التاليين :
١. فرض الامتحان والابتلاء عليهم جميعاً وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان فيعرف المؤمن من المنافق.
٢. عن طريق علم الغيب وذلك بأن يطلع نبيه على شؤون المؤمنين والمنافقين والفوارق بينهما ، ولكن هذا الطريق مختص بالنبي والأنبياء فقط ، وليس كل الأنبياء ، بل اُولئك الذين يجتبيهم الله من أنبيائه ورسله. ولقد أشار الى هذه الحقيقة بقوله : ( مَا كَانَ اللهُ ). ويتضح من ذلك كلّه أنّ ليس المقصود من الغيب في هذه الآية هو الوحي المصطلح ، بل معناه الاطّلاع على المواضيع الخارجية مثل تمييز المنافق من المؤمن ، لأنّه لو كان المراد منه الوحي المصطلح ما كان هناك داع لتخصيصه بطائفة من الرسل ، في حين أنّ جميع الأنبياء ينزل عليهم مثل هذا الوحي.
أضف إلى ذلك أنّ الهدف من اطّلاع الأنبياء على الغيب هنا ، حسبما يدل عليه السياق هو تمييز المؤمن من المنافق ، ولا يكون هذا إلاّ بأن يطّلع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على كل شؤون المنافقين ويعرف كل فرد منهم ، والقرآن وإن بين بعض صفات المنافقين على وجه العموم ، ولكنّه لم يعرفهم بشكل تفصيلي يؤدي إلى التمييز بينهم وبين المؤمنين ، والدليل على أنّ المقصود من الآية هو معرفة المنافقين تفصيلياً هو ما يرويه التاريخ من أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عرف جميع المنافقين يوم تبوك وعرّفهم لحذيفة (١) أيضاً. ولقد تحقق مفهوم هذه الآية : ( حَتَّىٰ يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) بمعرفة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للمنافقين ، عن طريق تحقق
__________________
(١) لاحظ المصادر التالية : تاريخ بغداد ج ١ ص ١٦١ ، اُسد الغابة ج ١ ص ٣١٩ ، الاستيعاب ج ١ ص ٢٧٧ ، الدرجات الرفيعة ص ٢٨٤ وغيرها وقد عرف حذيفة بأنّه صاحب سر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.