محتوى هذه الآية.
إنّ من يمعن النظر في الآية يذعن بأنّه ليس المقصود من « الغيب » فيها وحي السماء بل المقصود هو : معرفة الخبيث ( المنافق ) من الطيب ( المؤمن ) الحقيقي ، ومثل هذه المعرفة التفصيلية لا تحصل عن طريق الاُمور الكلية والعامة ، بل لا بد من طريق آخر يعرّفهم النبي ثم يعرّفهم للآخرين.
الثالثة : قوله سبحانه : ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) ( التكوير : ٢٣ ـ ٢٤ ) ، المراد من « الغيب » هو الوحي النازل عليه والمعنى أنّه لا يبخل بشيء مما يوحى إليه ، فلا يكتمه ولا يحبسه ولا يغيره ، بل يبلّغ الناس على النحو الذي اُمر بابلاغه فتدل الآية على اطّلاعه على الغيب.
الرابعة : قوله سبحانه : ( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) وقد تكررت الآية في الذكر الحكيم فراجع آل عمران ـ ٤٤ ، يوسف ـ ١٠٢ ، وقال سبحانه : ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) ( هود ـ ٤٩ ) وعلى أي تقدير فتدل هذه الآيات الأربعة على أنّه سبحانه يظهر غيبه على رسوله ويطلعه عليه ، وعلى الأنباء الغيبية مما لم يكن يعلمه لا هو ولا قومه.
وقد استدل في بعض الروايات على اطّلاع النبي والأئمة على الغيب بقوله سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ) ( الدخان : ٣ ـ ٥ ) ، وبقوله سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ... ) ( القدر : ١ ـ ٥ ).
ونقلها الكليني في اُصوله (١) عن الحسن بن العباس بن الحريش وقد عرفت حال الرجل وأنّه لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه وأنّه ... (٢).
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ٢٤٥ ـ ٢٤٩.
(٢) راجع ما أسلفناه ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣ من كتابنا هذا ، وجامع الرواة ج ١ ص ٢٠٥ وقاموس الرجال ج ٣ ص ١٨٢ ـ ١٨٣.