علمية نفسانية ، تصون الانسان عن الزلل في الرأي والقول والعمل.
أمّا الجهل بالشيء مطلقاً خصوصاً الجهل بالفتن وملاحم أحداث وكل ما يجري في الكون من نوازل أو ملمات أو ما يحكم فيه من نواميس وقوانين فليس أمراً وجودياً أو هيئة في النفس ، يورث التنفّر والتجنب ، حتى يدل إذهاب الرجس على إذهابه فلو جهل الانسان بنواميس الكون والقوانين السائدة في الأفلاك لا يعد جهله هذا رجساً ، أترى من نفسك أن جهل الفقيه بالمعادلات الجبرية والقوانين الطبية رجس ، أو جهل الأديب بفنون الصنايع رجس ؟
وأمّا عد الإلحاد والشرك من الرجس ، فليس لأجل كون الملحد والمشرك جاهلاً بالله سبحانه وصفاته بل لأجل تعلق قلبه بأمر باطل لا يعدو كونه أمراً وجودياً وإن كان يجتمع مع الجهل أيضاً (١).
وأمّا الآية الثانية : فلأنّ المراد من الاصطفاء هو أخذ صفوة الشيء وتخليصه ممّا يكدر ، فالمناسب له ، هو اصطفاؤهم من الزلل في الرأي والقول والعمل الذي هو عبارة عن العصمة الالهية وهي الجهة الجامعة الوحيدة بين المصطفين أعني آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران ، فإنّ المراد من آل إبراهيم هم الطيبون من ذريته كإسحاق وإسماعيل والطاهرون من ذريتهما ، كما أنّ المراد من آل عمران هي مريم وابنها المسيح أو هما وزوجة عمران بقرينة ذكر قصة امرأة عمران ومريم ابنته بعد الآيتين. وعلى أي تقدير فالمراد اصطفاؤهم من كدر الشرك وقذارة الذنوب وتطهيرهم من مساوئ الأعمال وقبائحها ويؤيد ذلك قوله سبحانه : ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ٤٢ ).
نعم إنّ الله سبحانه وإن اصطفى آدم بتعليمه الأسماء حين قال سبحانه : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) ( البقرة ـ ٣١ ) لكنّه اصطفاه باُمور اُخرى أيضاً فهو أوّل خليقة وطأ الأرض من النوع الانساني قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ
__________________
(١) راجع المفردات للراغب ص ١٨٨ والميزان ج ١٦ ص ٣٣٠.