والمنسوب إليه سبحانه ، غير الثابت لغيره ، فالثابت هو الفعل الاستقلالي غير المتكئ على أحد ، إلاّ ذاته سبحانه ، والمنفي عن عباده هو ذاك الفعل الاستقلالي أو الثابت لهم هو الفعل التبعي القائم بالله سبحانه ، وبالوقوف على ما ذكرناه ينفتح عليك باب من أبواب معرفة الذكر الحكيم ، وقد أوعزنا إلى ذلك الأمر في هذه الموسوعة غير مرّة (١).
ولأجل إيضاح مفاد هذه الآيات النافية ، نبحث عن كل واحدة بحثاً مستقلاً ، ليتضح الحق بأجلى مظاهره فنقول :
أمّا الآية الاُولى فهي مكونة من أربع فقرات ، ولمعرفة دلالة الآية بصورة صحيحة لابد من معرفة دلالة كل فقرة من هذه الفقرات الأربع المكوّنة للآية بشكل كامل وهذه الفقرات هي :
١. ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ ).
٢. ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ).
٣. ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ).
٤. ( وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ).
تشير الفقرة الاُولى إلى خطأ المشركين في ظنهم بأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجب أن يستثنى من سائر البشر العاديين ، ولا يشابههم في عادتهم من أكل وشرب ونوم وما شاكل ذلك ، وكانوا يقولون لو كان محمد نبياً حقاً لما كان مثل الناس يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، فلا يمكن أن يكون نبياً ـ حسب زعمهم ـ إلاّ أن يتنزّه من تلكم الصفات الموجودة في البشر عادة ، وقد أشار القرآن إلى زعمهم بقوله : ( مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ) ( الفرقان ـ ٧ ).
وقد كشف القرآن عن خطأهم في هذه الفقرة من الآية حيث قال : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرُّسُلِ ) ومعناها أنّ هذا النبي الجديد لا يختلف عن الأنبياء السابقين في هذه
__________________
(١) لاحظ الجزء الأوّل ص ٣٦٢ ـ ٣٦٤.