الصفات البشرية من أكل الطعام ومشي في الأسواق ، وهذه الصفات ليست أمراً جديداً في هذا النبي بل أنّها صفات دائمة لكل نبي بعثه الله تعالى.
كما كشف في سورة الفرقان أيضاً وقال سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ ) ( الفرقان ـ ٢٠ ).
ويفهم من هاتين الآيتين أنّ المشركين كانوا يتوقعون من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اُموراً هي فوق طبيعة البشر ، حيث زعموا عدم اجتماع النبوّة مع أكل الطعام والمشي في الأسواق.
بل كانوا معتقدين بلزوم وجود قدرة غير متناهية عند النبي المبعوث يختلف بها عن غيره من البشر ، وبذلك انتظروا من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يعلم الغيب ذاتياً دون ارتباط بالله تعالى ، يعلمه وكأنّ الأمر قد فوّض إليه.
إنّ الله تبارك وتعالى خاطب نبيّه مبطلاً هذا الزعم بقوله : ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) أي قل لهم يا محمد إنّني بشر ولا يستطيع أحد من البشر أن يتنبّأ بمصيره أو مصائر الآخرين دون إلهام من الله تعالى. فالآية الكريمة اذن تنفي ذلك اللون من علم الغيب الذي يتصوره بشكل ذاتي ، وبصورة تفويض مطلق من غير ارتباط بالله تعالى ، وهو الأمر الذي طلبه المشركون ، وهو لا يصطدم ـ أبداً ـ بما أثبتناه نحن من وجود علم الغيب عند الأنبياء بتعليم من الله.
ولأجل نقد هذه المزعمة يقول في الفقرة الثالثة : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) وقد وقفت على أنّ الوحي أحد الطرق التي يطلع الله بها أنبياءه على الاُمور الغائبة عن الحس والأشياء الخفية.
ولو كانت الآية الكريمة تريد نفي ( علم الغيب ) عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اطلاقاً استقلالاً وتبعاً ذاتياً واكتسابياً لكانت الآية مناقضة لنفسها ، حيث أثبتت قسماً من الغيب للنبي وهو الغيب الذي يأتي عن طريق الوحي وذلك في الفقرة الثالثة ، ولو كانت الفقرة الثالثة من الآية قد جاءت عن طريقة الاستثناء لأمكننا تصديقه بأنّها جاءت على وجه الاستثناء ، ولكنّها لم تأت على طريقة الاستثناء كما هو واضح.