رد علم الساعة إليه ، غيّر اُسلوب كلامه من الحصر ، إلى اُسلوب لا يفيد سوى علمه بهذه الاُمور ، وأنّه لا تخرج ثمرة من أوعيتها وغلفها ، ولا تحمل اُنثى ، ولا تضع اُنثى ، إلاّ في الوقت الذي يعلم سبحانه أنّه تخرج منها أو تحمل وتضع فيه.
ونظيره قوله سبحانه : ( وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ( الزخرف ـ ٨٥ ) وقوله : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا * إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا ) ( النازعات : ٤٢ ـ ٤٤ ) وقد فسّر الطبرسي قوله : ( فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا ) بقوله : أي لست في شيء من علمها وذكراها.
ولأجل اختصاص علمه بالله سبحانه ، لما سئل عن وقت الساعة وتعيين تاريخها أعرض سبحانه عنه ، وأخذ ببيان علائمها وأشراطها كما في قوله سبحانه : ( يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المَفَرُّ ) ( القيامة : ٦ ـ ١٠ ).
فإذا أمعنا النظر في هذه الآيات وما فيها من السياق الواحد المفيد للحصر والقصر ، لا نشك في صحة ما ذكره المفسّرون في جريان مشيئته سبحانه على كتمان العلم بوقتها عن غيره ولعلّ هنا من يفرّق بين قوله : ( وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) وقوله : ( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ ) حيث حملنا الثاني على العلم الأزلي الذاتي ، وقلنا إنّ المختص بالله سبحانه ، هو هذا القسم دون العلم المستفاد المفاض منه ، سبحانه إلى عباده ، وأنّ الآية لا تشمل ما كان من العلم اكتسابياً ، وعلى فرض عمومه لكلا القسمين ، يمكن تخصيصها بما دلّ على اطلاع الرسول على الغيب نظير قوله سبحانه : ( فَلا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) ( الجن : ٢٦ ـ ٢٧ ).
وأمّا قوله سبحانه : ( وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) فلأنّ تضافر الآيات على حصر خصوص العلم بالساعة به سبحانه والتصريح به في كل مورد تحدث عنه ، باسلوب يغاير اسلوب ما عداه كما عرفت فيما تقدم من الآيات ، ربّما يؤكد نظر المفسرين من أنّه