عناية المسلمين ضبطاً وتسجيلاً ، فإنّ القارئ يجد في مختلف السور والآيات ، صوراً واضحة رائعة من صفات النبي وفضائل أخلاقه وكرائم نعوته إلى حد يقف الانسان على روحياته ونفسياته ومختلف أقواله وأفعاله ، ويقدر مع التدبر التام فيما نزل في حقه من الآيات على الاحاطة بمراحل حياته منذ بعث بل منذ نعومة أظفاره إلى أن فارقها إلى الرفيق الأعلى ، ولعلنا نرجع إلى ذلك في مستقبل الأيام (١).
فالرجوع إلى نفس القرآن واستخراج سيرة النبي وصفاته ونفسياته وأفعاله من خلال آياته الكريمة ، أوثق وأسد الطرق لدراسة شخصية النبي الأعظم ، فالتدبر في هذا القسم من الآيات ، يعطي لنا صورة واضحة عن حياة النبي وشخصيته الفذة ، وعبقريته النادرة ، وما أودعه الله فيها من مواهب وقوى خلقية ونفسية وعقلية ، بلغت الذروة والروعة والعظمة ، ويغنينا عن المبالغات التي يعمد إليها بعض فرق المسلمين من غير سند وثيق.
إنّ تلكم الآيات تصلح أن تكون رداً حاسماً وقوياً على الموقف المنكر الذي يقفه المغرضون من المبشرين والمستشرقين من أخلاق النبي وفضائله ، إذ يتجاهلون أو يغفلون عن ما في القرآن من نصوص ، ويتمسكون دونها بالروايات التي ربّما تكون مخترعة أو مدسوسة ومزوّرة ، فينسبون إلى ساحة النبي الأكرم ما هو بري منه ، في حين أنّ في القرآن من الآيات ما فيه كل المقنع لمن لم يختم الله على قلبه بما كان عليه من الرحمة والصدق والبساطة والتجرد والزهد والاستغراق في الله والتحلّي بالمثل العليا واعطاءه القدوة الحسنى لذلك كله.
فقد أشار سبحانه إلى مكانته المرموقة ولزوم توقيره وتكريمه ، وأنّه لا يصلح دعاؤه كدعاء بعضنا بعضاً بقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
__________________
(١) وقد وقفنا بعد ما كتبنا هذا الفصل على ما ألفه « محمد عزة دروزة » في هذا المضمار وأسماه « سيرة الرسول » وهي صورة مقتبسة من القرآن الكريم وذكر في مقدمة الكتاب ، الحوافز التي دفعته إلى تأليف كتابه وقد طبع في مطبعة الاستقامة بالقاهرة في جزءين وقد راجعنا هذا الكتاب بعض المراجعة عند تقديم هذا الفصل إلى الطبع.