الأوقات بعالمية رسالته إذا كان الظرف في مكة صالحاً. كما في قوله سبحانه : ( وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) ( القلم ـ ٥٢ ) والآية مكية بلا كلام. وكما في قوله : ( لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ) والسورة مكية ، وإن شئت قلت : انّ الظروف في مكة كانت مختلفة متلوّنة ، ولم تكن حياة الرسول رخاءاً وشدة على نسق واحد ، فتارة كانت بيئة مكة قاسية عنيفة لا تسمح بالجهر بنفس رسالته ، فضلاً عن المصارحة بكيفها وكمّها ، والمسلمون من جانب ـ اضطهاد قريش لهم ـ كانوا يعيشون في حالة عصيبة واُخرى كانت الأزمة قليلة مخففة بحلول أشهر الحج أو طروء حوادث تمنع العصابة المشركة المجرمة وتكفّهم عن إيذاء المسلمين.
وعند ذاك كان يفسح المجال أمام النبي وأصحابه بأن يبلغوا الدعوة وفق الظروف وحسب المقتضيات شدة وضعفاً ، فنراه في مواقفه بمكة يصرّح بجانب من جوانب الدعوة على صعيد خاص كقوله : يا معشر قريش انقذوا أنفسكم ... واُخرى ينادي بعموم دعوته مما يستفاد من أنّه بعث إلى الناس كافة ولأجل ذلك نواجه في سورة واحدة لونين من طريقة الدعوة ، فنرى أنّها في صدرها تأخذ بجميع جوانب دعوته وتصرّح بعموم دعوته وعالمية رسالته ، وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم اُمر من جانبه سبحانه أن ينذر بقرآنه قريشاً وكلّ من بلغه كتابه وانذاره حيث قال : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) وفي الوقت نفسه نرى في خلال السورة ، لوناً خاصاً من الدعوة حيث تخصّها بمن في اُمّ القرى ومن حولها ويقول : ( لِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ) فيعلم من ذلك أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يوجّه دعوته حسب ما تقتضيه المصلحة تبعاً للأحوال المختلفة وتبدل الظروف الزمانية والمكانية من دون توهّم تناقض في طريق الدعوة ولونها.
جواب آخر عن الشبهة :
جاء بعض المعاصرين من الأجلاّء ، في تعاليقه القيّمة على كتاب « الابطال » بجواب آخر (١) مبني على أمرين :
__________________
(١) ترى اجمال هذا الجواب في مجمع البيان ج ٣ ، ص ٣٣٤ ، و ج ٥ ، ص ٢٢ والمفردات للراغب مادة « اُم ».