الأوّل : أنّ من تتبّع سير الصّحابة والتابعين ورجوع بعضهم الى بعض وتقرير أئمّتهم عليهمالسلام ذلك وتجويزهم الرّجوع الى أصحابهم وتقريرهم على طريقتهم في فهم مطالبهم ، والجمع بين أخبارهم المختلفة ، وأمرهم بالجمع بالقواعد الملقاة بينهم التي لا يمكن التفريع عليها والعمل بها إلّا مع الاعتماد بظنونهم في فهم موافقة الكتاب ومخالفته ، وموافقة المشهور ومخالفته ، وكذلك معرفة الأعدل والأفقه الذي لا ينفكّ عادة عن لزوم معرفة العامّ عن الخاصّ وطريق التخصيص ، ومعرفة الإطلاق والتقييد والأمر والنّهي ، والمجمل والمبيّن ، والمنطوق والمفهوم بأقسامها ، وغير ذلك من المباحث المحتاج إليها ، فبعد ملاحظة ذلك ، يحصل له القطع برضا أئمّتهم عليهمالسلام بما يتداولون بينهم من الطّريقة ، بل هذه الطّريقة يثبت حجّية ظنّ المتجزّي أيضا ، كما أشرنا سابقا ، فكيف بالمطلق.
والثاني : أنّ الكلام هنا في مقام تجزّي الاجتهاد وإطلاقه لا في طريقة الأصوليّ والأخباريّ وغيرهما ، وحينئذ فنقول : اتّفاق العلماء في كلّ عصر ومصر من زماننا مترقّبا الى زمان أئمّتهم عليهمالسلام بحيث لم يعرف منكر يعتمد بقوله على جواز عمل المستنبط القادر على تحصيل كلّ الأحكام بقوّته الحاصلة لذلك ومتابعة مقلّده له ، بل لزوم ذلك ووجوبه يكشف عن أنّ ذلك كان من جهة رخصة من جانب أئمّتهم عليهمالسلام ، فهذا هو من مصاديق الإجماع المصطلح ، كما حقّقناه في مبحثه ، ولا ينحصر تحقّق الإجماع فيما كان المسألة ممّا يتداوله أصحاب الأئمة عليهمالسلام ويسألونه عن أئمّتهم عليهمالسلام.
وأمّا الجواب عن الثاني : فأمّا أوّلا : فبإمكان إرادة ضرورة الدّين بتقريب ما ذكرنا أخيرا في الإجماع ، بدعوى أنّ هذه الطّريقة المستمرّة أفادت رضى صاحب الشّرع بذلك بديهة.