بالضّرورة ، وسيجيء الكلام في تمام المقام عند بيان لزوم النّظر في أصول الدّين للعامّيّ ، وكيفيّته ومقدار تكليفه ، فإنّ هذه المسألة حينئذ ترجع الى المسائل الأصوليّة ، والمباحث العقليّة الكلاميّة.
وممّا حرّرنا في القانون السّابق ، وما ذكرنا هاهنا تعلم أنّ هذا النّزاع إنّما هو بعد زوال الغفلة والجهالة الحاصلة في المراتب الأول من [الأوّل عن] التّكليف الى أن يحصل له الإشكال في أنّه هل يجب عليه الاجتهاد في جزئيّات المسائل أو يجوز له التقليد فيها ، وذلك إنّما هو لمن حصّل حظّا وافرا من العلم أو أوتي قسطا عظيما من الفطنة والذّكاء ، سيّما بعد التّنبيه بمجالسة العلماء والاستماع منهم ، فعلم القول بوجوب الاجتهاد في الفروع للعوامّ أيضا لا بدّ أن يخصّ الكلام بما بعد التّفطّن لذلك ، لا في حال الغفلة.
هذا هو الكلام في العامّيّ ، وأمّا المجتهد فلا يجوز له تقليد غيره من المجتهدين إجماعا إذا اجتهد في المسألة.
وأمّا قبل الاجتهاد في المسألة ، ففيها أقوال : الجواز مطلقا ، وعدمه مطلقا ، والتفصيل بتضييق الوقت ، وعدمه ، والتفصيل بما يخصّه وما لا يخصّه من الأحكام ، والتفصيل بتقليد الأعلم منه وغيره ، والتفصيل بتقليد الصّحابيّ وغيره.
دليل المجوّز مطلقا ، عموم قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١).
وفيه : أنّ المجتهد في غير حال الضّيق ليس ممّن لا يعلم ، بل الظّاهر أنّه من أهل الذّكر وأهل العلم الذي في مقابل غير العالم.
__________________
(١) الأنبياء : ٧.