استفهام عدم الكفاية ، فإنّه متعارف في باب تأكيد الكلام السابق وتتميمه ، لا أنّه مباين للأوّل.
فحينئذ ، فمعنى ما ورد في الأدعية ممّا يشعر بالطّريقة الأخيرة مثل قول أمير المؤمنين عليهالسلام : «يا من دلّ على ذاته بذاته» (١). وقول السّجّاد عليهالسلام : «بك عرفتك وأنت دللتني عليك» (٢). ومثلهما ، فيحتمل معنيين :
أحدهما : أنّ الظّهور الإجماليّ الذي حصل منك في فطرتنا ، بل فطرة البهائم صار سببا لتوجّهنا الى حقّ معرفتك الى أن عرفناك بما استطعنا ، أو أنّ خلقك إيّانا وجوارحنا وقوانا وحواسّنا والأمور الغريبة التي يحصل منها العبرة ويجرّنا الى وادي الفكرة ، صارت سببا لمعرفتنا إيّاك ، فبسببك وعنايتك عرفناك.
وهذا إن قلنا بالفطرة كما هو الظّاهر ، وسنشير الى بيانها في الجملة ، وإلّا فالمتعيّن هو الثّاني ، ويرجع مآله الى استدلال العجوز.
الرّابع : أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن الجدل كما في مسألة القدر ، روي أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم «خرج على أصحابه فرآهم يتكلّمون في القدر ، فغضب حتّى احمرّت وجنتاه ، وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّما هلك من كان قبلكم لخوضهم في هذا ، عزمت عليكم أن لا تخوضوا فيه أبدا» (٣). وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إذا ذكر القدر فأمسكوا» (٤).
وفيه : أنّ النّهي عن الجدل ، بل عن البحث ، غير النّهي عن النّظر ، إذ قد يكون الجدل مراء حراما ، وقد يكون فيما لا طائل تحته فيكون تضييعا للوقت ، وقد
__________________
(١) من دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليهالسلام.
(٢) في دعاء عرفة.
(٣) الأحكام للآمدي : ٤ / ٢٢٤.
(٤) البحار : ٥٥ / ٢٧٦ ح ٧٤.