قلت : من أين ثبت لك جواز التخيير؟ فإن راجعت الى الأصل أو خبر الواحد فيرجع المحذور ، مع أنّ تلك الأخبار المذكورة لا تدلّ على الاستحباب.
ثمّ من العجائب أنّ هذا الفاضل قال بجواز اجتماع الأمر والنّهي في مبحثه ، ثمّ ذكر مثل هذا الكلام في هذا المقام.
وأيضا نقول : أصل البراءة والاحتياط والتّوقّف أيضا من المسائل الأصولية ، وإن جعلت المناص لك أنّ هذه مستفادة من الأدلّة القطعيّة ، وما ذكره الأصوليّون في عدم جواز اجتماع الأمر والنّهي أو جوازه ، ودلالة الأمر بالشّيء على بطلان ضدّه وعدمها من القواعد الظّنيّة ، كما يظهر من آخر كلامك.
فنقول أوّلا : من أين ثبت لك القطع في هذه المسائل مع كون أخبارها ظنيّة ، وكذا علاج تعارضها؟
وثانيا : إنّ كلّ واحد من الطّرفين يدّعي القطع في المسألة الأصوليّة. مثلا المعتزلة وأكثر الإماميّة يقولون باستحالة اجتماع الأمر والنّهي لاستلزامه التّكليف بالمحال أو التّكليف المحال ، ويدّعون القطع ، ومخالفوهم أيضا يدّعون القطع بعدم الاستحالة.
وقد حقّقنا في المباحث السّابقة أنّ المكلّف به هو القطع الحاصل في نفس المكلّف إذا لم يقصّر وإن لم يطابق الواقع. مع أنّك تعترف بأنّ العقل يستقل بالحكم في بعض الأشياء ، كحسن الصّدق النّافع والإحسان ، وقبح الكذب الضّار والعدوان. وكون الشّيء ممّا يستقل به العقل أيضا من المسائل الاجتهاديّة ، فقد يحكم بعضهم بكون حكم منه والآخر بخلافه.
ولا ريب أنّ كلّ واحد مكلّف بما يفهمه ، وقد مرّ في الكلام على الاجتهاد في أصول الدّين ما يرشدك الى ما ذكرنا ، فتسميتك ذلك ظنّا ، وما استفدته من أخبار