والحاصل ، أنّ الأدلّة الشّرعيّة هي حاكية عن حكم الله الواقعيّ ، والتّرجيح الحاصل فيها والأظهريّة المتعلّقة بها إنّما هو بالنّسبة الى ما هو المراد في الواقع ، فلا يصحّ فرض احتمال إرادة حكم الله الظّاهري غير كونه ظاهرا انّه حكم الله الواقعي.
لا يقال : إنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ خرج الأقوى بالاجماع ، ولا دليل على العمل بالأضعف ، لأنّا نقول : قد بيّنّا سابقا أنّه لا أصل لهذا الأصل ، فلا نعيد ، واشتغال الذّمّة أيضا لم يثبت إلّا بالقدر المشترك المتحقّق في ضمن الأدون ، والأصل عدم لزوم الزّيادة ، فلو كانوا يفصّلون بأنّه إذا انحصر المجتهد في العالم في الأعلم وغير الأعلم ولم يكن هناك ميّت أعلم أيضا ، فهناك رجّح [ترجّح] أقوى الأمارتين القائمتين على الحكم الواقعيّ على الآخر لكان له وجه. ولكنّه فرض ناء [نادر] في المقلّد في المجتهد أيضا بالنّسبة الى أمارته.
فنقول : لزوم عمله على أقوى الأمارتين إنّما هو إذا أراد تحصيل ما هو أقرب الى الواقع ، والظّنّ بحكم الله النّفس الأمريّ ، وهو لا يتمّ إلّا إذا كان مقيّدا بشرط وحال.
فلو فرض أنّ مجتهد لم يقدر على تحصيل الأسباب وكتب الأخبار وتحصيل أقوال الفقهاء ، وانحصر تكليفه في الاجتهاد فيما عنده من الأسباب مع فرض علمه بوجود شيء آخر من الأسباب ، ولكن هو لا يتمكّن منه ، واحتمال مدخليّة الغير في مطلبه احتمالا ظاهرا ، فتحصيل الظنّ له حينئذ إنّما هو بشرط هذه الأسباب وفي هذه الحال لا مطلقا ، وهو ليس معنى تحصيل الظنّ بالحكم الواقعي.
نعم ، المجتهد الذي جمع الأسباب واستفرغ وسعه في التّحصيل ونفى وجود ما يحتمل أن يعارض دليل مختاره ويترجّح عليه بأصل العدم ، يمكنه تحصيل الظنّ