الظنّ بحكم الله الواقعيّ من قول المجتهد الحيّ الذي هو أدون بمراتب شتّى من المجتهد الميّت دون قول ذلك الميّت مجازفة من القول.
فإن قلت : إنّ فتوى الميّت مخرج بالدّليل على عدم جواز العمل بقوله.
قلت : الدّليل العقليّ أعني سدّ باب العلم الموجب للعمل بالظنّ مع بقاء التّكليف ضرورة ، وقبح تكليف ما لا يطاق لا يقبل التّخصيص ، إلّا أن يذبّ عن ذلك بما يذبّ عن إخراج القياس والاستحسان ، وسيجيء تمام الكلام.
وعلى هذا ، فلا بدّ أن يقال بالتّخيير بين الأعلم وغيره ، فحينئذ يكون حكم الله الواقعيّ بحسب ظنّ أحدهما ، بل أحد المجتهدين الموجودين في العالم ، بل الميّتين أيضا لو جوّزنا للعمل بقولهم ، فإذا تردّد الحكم الواقعيّ بين هؤلاء ، فمقتضى الدّليل التّخيير. وإن أرادوا أنّ ذلك حكم آخر ينوب مناب الحكم الواقعيّ يجوز العمل بالظنّ وإن لم يحصل الظنّ بالحكم الواقعيّ كالتقيّة النائبة عن مرّ الحق ، فلا دليل حينئذ على وجوب ترجيح الأعلم.
فإنّ الذي ثبت من الدّليل أنّه إذا لم يمكن للمقلّد العلم بحكم الله الواقعيّ ، يجوز العمل بظنّ من تمكّن من استنباط الحكم من هذه الأدلّة.
وأمّا انّ ظنّ هذا الشّخص هل هو كاشف عن الواقعيّ أو لا ، فلا يحتاج إليه على هذا الفرض ، وحينئذ فلا دليل على اعتبار الأقوى ، بل لا معنى لاعتبار الأقوى والأقرب والأرجح ، لأنّ قولنا : حكم الله الظّاهريّ هو ما كان أرجح ، لا بدّ له من متعلّق ومن بيان أنّ أرجحيّته في أيّ شيء.
فإن قلت : المراد ما كان أرجح وأظهر في أنّه هو حكم الله الظّاهريّ ، فهو دور.
وإن قلت : المراد ما كان أرجح بالنّسبة الى ما أراده الله تعالى في الواقع عنّا فهو الظنّ بحكم الله الواقعيّ ، والمفروض عدمه.