وعلى ذلك ينزّل كلام الشهيد رحمهالله في «الدروس» (١) حيث قال : ينقض الحكم إذا علم بطلانه سواء كان الحاكم أو غيره ، وسواء أنفذه الجاهل به أم لا. ويحصل ذلك بمخالفة نصّ الكتاب أو المتواتر من السنّة أو الإجماع ، أو خبر واحد صحيح غير شاذّ ، أو مفهوم الموافقة أو منصوص العلّة عند بعض الأصحاب ، بخلاف ما لو تعارض فيه الأخبار ، وإن كان بعضها أقوى بنوع من المرجّحات. انتهى ملخّصا.
واستشكل المقام الشّهيد الثاني في «المسالك» (٢) سيّما في عبارة الشهيد هذه في غير الثّلاثة الأول ، لأنّ خبر الواحد من المسائل الخلافيّة ، ودليله ظنيّ ، فمخالفته لا يضرّ.
وكذلك الكلام في مفهوم الموافقة في المنصوص العلّة ، فمخالفته لا يستلزم البطلان ، وعلى ما نزّله عليه المحقّق الأردبيلي رحمهالله فيندفع الإشكال.
ثمّ إنّ المحقّق الأردبيلي قال : إنّ في صورة ظهور البطلان ينقض الحكم والفتوى كلاهما ، وفي صورة تغيّر الرّأي لا ينقض شيء منهما ، وهذا هو الذي أشرنا إليه من أنّ ظاهره عدم الفرق بين الحكم والفتوى في عدم النّقض.
وهذا هو التّحقيق في المسألة ، نعم ، يجوز المخالفة للحكم الأوّل في الفتوى فيما وقع النّزاع وترافعا عند الحاكم على التّفصيل الذي قدّمناه ، وفيما بعد التّغيير موضوع آخر ، وفيما لم يناف ما أثبته الفتوى من الأحكام الملزومة الاستمراريّة.
هذا في الحقيقة لا يسمّى نقضا ولا يطلق عليه النّقض كما صرّح به التّفتازاني ، بل هو عمل بالرّأي الآخر ، فلا يرد على المحقّق الأردبيلي رحمهالله أنّه لم يقلّ أنّ الفتوى
__________________
(١) ٢ / ٧٦ ، وكذا نقله أيضا في «المسالك» ١٣ / ٢٩٠.
(٢) «مسالك الأفهام» ١٣ / ٢٩٠.