عملنا بكلّ واحد منهما من وجه دون آخر ، فقد تركنا العمل بالدّلالة التّابعة ، وإذا عملنا بأحدهما وتركنا العمل بالآخر بالكليّة ، تركنا العمل بالدّلالة الأصليّة ، ولا شكّ في أنّ الأوّل أولى.
واعترضه العلّامة رحمهالله في «النّهاية» على ما نقل عنه : بأنّ العمل بكلّ واحد منهما ، من وجه عمل بالدّلالة التّابعة من الدّليلين معا ، والعمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدّلالة الأصليّة والتّابعة في أحد الدّليلين وإبطالهما في الآخر ، ولا شكّ في أولويّة العمل بالأصل ، وتابع على العمل بالتّابعين وإبطال الأصلين.
وتنظّر فيه بعضهم ، بأنّ العمل بتابع وأصل إنّما يكون راجحا على العمل بالتّابعين إذا كانا من دليلين ، أمّا إذا كانا من دليل واحد وكان التّابعان من دليلين ، فلا ، وهو ظاهر. فإنّ فيه تعطيلا للّفظ الآخر وإلغاء له بالكلّيّة ، ومن المعلوم أنّ التّأويل أولى من التّعطيل.
أقول : ويظهر ما في هذا النّظر ممّا قدّمناه.
وتحقيق المعارضة أنّ العمل بالدّليلين حينئذ خروج عن كلام الشّارع رأسا ، لاستحالة العمل على حقيقتهما وعدم قرينة معيّنة لذلك التجوّز ، بحيث يكون مقبولا عند أهل اللّسان ، بخلاف ما لو عمل على حقيقة أحدهما ، فإنّه لا مانع منه ، ولا مؤاخذة في ترك الآخر لأصل البراءة واستحالة العمل عليهما معا على ما وردا عليه ، وخصوصا مع ملاحظة ما ورد من الشّارع من التّخيير في العمل بأيّهما.
ثمّ إنّ الشّهيد الثّاني رحمهالله (١) بعد ذكر ما نقلنا عنه في التعارض ولزوم الجمع بين الدّليلين مهما أمكن ، جعل من فروع الجمع بين الدّليلين إعمال البيّنتين القائمتين
__________________
(١) في «التمهيد» ص ٢٨٤.