لا يقال : إنّ التّعارض وعدم إمكان العمل على حقيقة الأمارتين قرينة على إرادة المعنى المجازيّ المحتمل ، فإن اتّحد المجاز فهو متعيّن ، وإلّا فالأقرب ، وإن لم يتفاوت فالتّخيير ، وذلك لأنّ المظنون أنّ أصل الأمارتين من الشّارع وإن حصل الإشكال في المراد حينئذ بسبب التّناقض والتّعارض.
لأنّا نقول أوّلا : إنّا نمنع الظنّ بكون الأمارتين من الشّارع مع حصول التّناقض ، بل المظنون إنّما هو أحدهما.
سلّمنا ، لكن لا نعلم أنّه لا بدّ أن يكون مدلول كلّ واحد منهما مراد الشّارع ولو على سبيل المجاز ، إذ يحتمل أن يكون أحدهما واردا مورد التّقيّة فيجب إلغاؤها رأسا ، فلا دليل على وجوب التّأويل واستعمال كلّ منهما إذا لم يقم دليل عليه ، بل لا دليل على جوازه إن أريد الاستدلال به.
نعم ، لا تضايق [نضايق] عن تأويل المرجوح بما لا ينافي الرّاجح كما فعله الشيخ رحمهالله (١) من باب الاحتمال ، ولكن لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال ، فإذا أردت المعنى الحقيقيّ لقول : الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، فهو : أنّه يجب التّفحّص والتفتيش عن القرائن والعلامات حتّى يظهر لك المعنى الصّحيح والمراد اللّائق بشرط عدم إخراج الأقوى عن ظاهره كما بيّنّا سابقا.
وحقيقته يرجع الى أنّه لا بدّ أن يتأمّل حتّى يظهر أنّ الموضوع في الأمارتين واحد أو مختلف ، وأنّ تعارض الظّاهر فيهما هل هو واقعيّ أو هو كذلك في نظر الظّاهر ، ثمّ العمل على مقتضاه.
فخذ هذا ودع عنك ما سواه ممّا يتعاوره الغافلون العادون عن التحقّق.
__________________
(١) راجع «العدة» ١ / ١٤٣.