وما يوجّه الفرق بأنّ مقتضى القول بعدم جواز التّرجيح بلا مرجّح أن يكون لخصوصيّة الهيئة الصّادرة من الشّارع مدخليّة في تكميل النّفس وحصول القرب الذي هو المطلوب من المأمور به ، فمع المخالفة لا يحصل ذلك ، كما في تركيب الأدوية عند أطبّاء الأبدان.
ففيه : مع أنّ تلك الهيئة المخترعة كما أنّه لا يجوز انتقاصها عمّا ركّبها عليه أطبّاء الأديان وترتفع خاصيّتها بذلك ، فكذلك لا يجوز خلوّها عن قصد التّقريب والامتثال الذي هو من كيفيّات هذا التّركيب وشرائطه. ومنع اشتراطه مكابرة كما يشهد به العرف والعادة والعقل والنقل أنّه يرد عليه أنّك ما تقول في مؤدّى ظنون المجتهدين في المسائل المختلف فيها ، فهل التّركيب واحد في نفس الأمر ، أو مختلف مجوّز كلّها بمقتضى تعدّد الآراء ، أو غير الموافق بدل عن الموافق كبدل الأدوية ، فإن كان واحدا فيرد ما ذكرت على المجتهد أيضا ، وإن كان مختلفا فيرد عليه بيان الفرق بين المجتهد وغيره.
وما الدّليل الذي جوّز ذلك في المجتهد ولم يجوّزه في غيره [غير] ، فهل دليل جواز عمل المجتهد برأيه وجواز تقليد الغير إيّاه إلّا لزوم تكليف ما لا يطاق لولاه؟ وقد عرفت أنّه موجود في غير المقصّر الجاهل الغافل أيضا كما بيّناه ، مع أنّ نيّة القربة قد تكون فيه أكمل من الذي علم وجوب التّحصيل واكتفى بظنّه المعلوم ، بل وهمه ، واتّفق موافقته للواقع.
وبالجملة ، الفرق بين الموافق للواقع وغيره حينئذ في الثّواب والعقاب والمدح والذمّ ، وغيرهما خلاف طريقة العدل كما أشار إليه بعض المحقّقين ، قال : إنّ أحد الجاهلين بوجوب معرفة الوقت إن صلّى في الوقت والآخر في غير الوقت ، فلا يخلو إمّا إن يستحقّا العقاب أو لم يستحقّا أصلا ، أو يستحقّ أحدهما دون