أن كتب «الكناش» لا يلتزم فيها التقييد بترتيب ما ، وإدراك أبي الفداء لذلك لم يدفعه إلى الفوضى والإضطراب بل رأيناه ملتزما كما ذكرنا بمنهج دقيق وترتيب محكم ثم إن إشارته هنا إلى ما حصل في الترتيب تدل على مدى حرصه على ترتيب كناشه ، والتزامه بمنهجه الصارم الذي وضعه حين عزم على تأليف كناشه هذا.
ومؤدّى ذلك كله أن قول الأستاذ محمد علي النجار إن «الكناش» ليس فيه مسكة التصنيف» فيه بعد إذا أريد سحبه على كناش أبي الفداء ، وذلك لأن هذا الكناش كما ذكرنا ـ قد أقيم على أسس متينة ، وأركان ثابتة فعراه وثقى ، وأقسامه متصلة ، وفصوله محكمة ، كغيره من المؤلفات العلمية الأخرى ، خدم فيه أبو الفداء المفصل والكافية والشافية ، فجاء شرحا لأجزاء مختارة من ثلاثة متون معتبرة عند المشتغلين بعلوم العربية ، وهذا يعني أيضا أن قول الفيروزآبادي والزبيدي إن الكناشات أصول ... إلخ (١) لا ينطبق على كناش أبي الفداء لأنه ليس «متنا» كما يفهم من كلامهما ، كما لا ينطبق عليه أن هذا الجمع هو «للشوارد والفوائد» فقط ، لأنه حوى جميع المباحث النحوية والصرفية والإملائية فغدا شرحا لا تنقصه صفة من صفات الكتب العلمية الأخرى. والغاية منه هو الاستذكار والمراجعة والضبط ويستغنى به عن مراجعة كثير من الكتب المطوّلة.
والظاهر أن هذه الغاية هي غاية عامة عند أبي الفداء هدف إليها في كثير من مؤلفاته ، فقد أشار الدكتور حسن الساعاتي وهو بصدد حديثه عن غاية أبي الفداء من كتابيه المختصر وتقويم البلدان إلى ذلك فقال : «إنه إنما يكتب مختصرات تكون بمثابة مذكرات يكون فيها الغناء عن مطالعة الكتب الكبيرة في كل موضوع من الموضوعات التي عالجها» (٢) واستدلّ على ذلك بما أورده أبو الفداء في مقدمتي الكتابين المذكورين فقد قال في مقدمة كتابه المختصر : «سنح لي أن أورد في كتابي هذا شيئا من التواريخ القديمة والإسلامية يكون تذكرة لي يغنيني عن مراجعة الكتب
__________________
(١) لعل إطلاق الكناشات على الأصول يمثل مرحلة من مراحل اتساع دلالة الكناش ، ولعل الأصل فيه أن يطلق على الدفتر الذي تقيد فيه الشوارد والفوائد ثم صار يطلق على الأصول. ثم رأينا دلالته عند أبي الفداء متسعة على نحو ما نشرحه.
(٢) منهج أبي الفداء في البحث ٦٩.