الإنشائية لا محالة ، وعدل إلى الخبرية لتحمل جملة الحمد من الخصوصيات ما يناسب جلالة المحمود بها من الدلالة على الدوام والثبات والاستغراق والاختصاص والاهتمام ، وشيء من ذلك لا يمكن حصوله بصيغة إنشاء نحو حمدا لله أو أحمد لله حمدا ومما يدل على اعتبار العرب إياها إنشاء لا خبرا قول ذي الرمة :
ولما جرت في الجزل جريا كأنّه |
|
سنا الفجر أحدثنا لخالقها شكرا (١) |
فعبر عن ذكر لفظ الحمد أو الشكر بالإحداث ، والإحداث يرادف الإنشاء لغة فقوله أحدثنا خبر حكى به ما عبر عنه بالإحداث وهو حمده الواقع حين التهابها في الحطب.
والله هو اسم الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد. وأصل هذا الاسم الإله بالتعريف وهو تعريف إله الذي هو اسم جنس للمعبود مشتق من أله بفتح اللام بمعنى عبد ، أو من أله بكسر اللام بمعنى تحير أو سكن أو فزع أو ولع مما يرجع إلى معنى هو ملزوم للخضوع والتعظيم فهو فعال بكسر الفاء بمعنى مفعول مثل كتاب ، أطلقه العرب على كل معبود من أصنامهم لأنهم يرونها حقيقة بالعبادة ولذلك جمعوه على آلهة بوزن أفعلة مع تخفيف الهمزة الثانية مدّة ، وأحسب أن اسمه تعالى تقرر في لغة العرب قبل دخول الإشراك فيهم فكان أصل وضعه دالا على انفراده بالألوهية إذ لا إله غيره فلذلك صار علما عليه ، وليس ذلك من قبيل العلم بالغلبة بل من قبيل العلم بالانحصار مثل الشمس والقمر فلا بدع في اجتماع كونه اسم جنس وكونه علما ، ولذلك أرادوا به المعبود بحق ردا على أهل الشرك قبل دخول الشرك في العرب وإننا لم نقف على أن العرب أطلقوا الإله معرّفا باللام مفردا على أحد أصنامهم وإنما يضيفون فيقولون إله بني فلان والأكثر أن يقولوا رب بني فلان أو يجمعون كما قالوا لعبد المطلب أرض الآلهة ، وفي حديث فتح مكة : «وجد رسول الله البيت فيه الآلهة». فلما اختص الإله بالإله الواحد واجب الوجود اشتقوا له من اسم الجنس علما زيادة في الدلالة على أنه الحقيق بهذا الاسم ليصير الاسم خاصا به غير جائز الإطلاق على غيره سنن الأعلام الشخصية ،
__________________
(١) هو من قصيدة له ذكر فيها صفات النار بطريقة لغزية. وقبله :
فلما بدت كفنتها وهي طفلة |
|
بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبرا |
وقلت له ارفعها إليك فأحيها |
|
بروحك واقتته لها قيتة قدرا |
وظاهر لها من يابس الشخت واستعن |
|
عليها الصفا واجعل يديك لها سترا |